الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الإنشاء

صفحة 112 - الجزء 1

  فيمن روى بالنصب، وعلى رواية الرفع تحتمل الاستفهامية والخبرية.

  وأما «كيف» فللسؤال عن الحال، إذا قيل: كيف زيد؟ فجوابه: صحيح أو سقيم، أو مشغول، أو فارغ، ونحو ذلك.

  وأما «أين» فللسؤال عن المكان، إذا قيل: أين زيد؟ فجوابه: في الدار، أو في المسجد، أو في السوق، ونحو ذلك.

  وأما «أنّى» فتستعمل تارة بمعنى «كيف» قال الله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}⁣[البقرة: الآية ٢٢٣] أي: كيف شئتم، وآخر بمعنى «من أين» قال الله تعالى: {أَنَّى لَكِ هذا}⁣[آل عمران: الآية ٣٧]؟ أي: من أين لك؟.

  وأما «متى» و «أيّان» فللسؤال عن الزمان، إذا قيل: متى جئت؟ أو: أيّان جئت؟ قيل: يوم الجمعة، أو يوم الخميس، أو شهر كذا، أو سنة كذا، وعن علي بن عيسى الربعي: أن «أيّان» تستعمل في مواضع التفخيم كقوله تعالى: {يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ ٦}⁣[القيامة: الآية ٦]، {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ١٢}⁣[الذّاريات: الآية ١٢].

  ثم هذه الألفاظ كثيرا ما تستعمل في معان غير الاستفهام بحسب ما يناسب المقام.

  منها الاستبطاء، نحو: كم دعوتك؟ وعليه قوله تعالى: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ}⁣[البقرة: الآية ٢١٤]؟.

  ومنها التعجّب، نحو قوله: {ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ}⁣[النّمل: الآية ٢٠].

  ومنها التنبيه على الضلال، نحو: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ٢٦}⁣[التّكوير: الآية ٢٦].

  ومنها الوعيد، كقولك لمن يسيء الأدب: ألم أؤدّب فلانا؟ إذا كان عالما بذلك، وعليه قوله تعالى: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ ١٦}⁣[المرسلات: الآية ١٦]؟.

  ومنها الأمر، نحو قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}⁣[هود: الآية ١٤]، ونحو: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}⁣[القمر: الآية ٤٠]؟.

  ومنها التقرير، ويشترط في الهمزة أن يليها المقرّر به، كقولك: أفعلت؟ إذا أردت أن تقرره بأن الفعل كان منه، وكذلك: أأنت فعلت؟ إذا أردت أن تقرّره بأنه الفاعل.

  وذهب الشيخ عبد القاهر والسكاكي وغيرهما إلى أن قوله: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ}⁣[الأنبياء: الآية ٦٢]؟ من هذا الضرب، قال الشيخ: لم يقولوا ذلك له # وهم يريدون أن يقرّ لهم بأن كسر الأصنام قد كان، ولكن أن يقرّ بأنه منه كان، وكيف وقد أشاروا إلى الفعل في قولهم: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا}⁣[الأنبياء: الآية ٦٢] وقال