الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الإيجاز والإطناب والمساواة

صفحة 141 - الجزء 1

  فلو علم أنه يخلد، ثم جاد بماله، كان جوده أفضل. فالشجاعة لو لا الموت لم تحمد، والندى بالضّدّ.

  وأجيب عنه: بأن المراد بالندى في البيت بذل النفس، لا بذل المال، كما قال مسلم بن الوليد:

  يجود بالنفس إن ضنّ الجواد بها ... والجود بالنفس أقصى غاية الجود⁣(⁣١)

  وردّ بأن لفظ الندى لا يكاد يستعمل في بذل النفس، وإن استعمل فعلى وجه الإضافة. فأما مطلقا: فلا يفيد إلّا بذل المال.

  والثاني: ما لا يفسد المعنى كقوله: [أبو العيال الخفاجي]

  ذكرت أخي فعاودني ... صداع الرأس والوصب⁣(⁣٢)

  فإن لفظ «الرأس» فيه حشو لا فائدة فيه، لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس، وليس بمفسد للمعنى.

  وقول زهير: [بن أبي سلمى]

  وأعلم علم اليوم والأمس قبله ... ولكنّني عن علم ما في غد عم⁣(⁣٣)

  فإن قوله: «قبله» مستغنى عنه غير مفسد.

  وقول أبي عديّ:

  نحن الرؤوس، وما الرؤوس إذا سمت ... في المجد للأقوام كالأذناب⁣(⁣٤)

  فإن قوله: «للأقوام» حشو لا فائدة فيه، مع أنه غير مفسد.

  واعلم أنه قد تشتبه الحال على الناظر؛ لعدم تحصيل معنى الكلام وحقيقته؛ فيعدّ


(١) البيت من البسيط، وهو في ديوان مسلم بن الوليد ص ٢٥، والعقد الفريد ١/ ٥٦.

(٢) يروى عجز البيت بلفظ:

رداع السقم والوصب

والبيت من مجزوء الوافر، وهو لأبي العيال الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٤٢٤، وتهذيب اللغة ٢/ ٢٠٤، ولسان العرب (ردع) (وفيه «والوصب» بدل «والوصب») وهذا خطأ، والبيت من قصيدة مضمومة الرويّ)، وتاج العروس (ردع).

(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٢٩، ولسان العرب (عمى)، وتهذيب اللغة ٣/ ٢٤٥، وشرح المعلقات السبع ص ٦٩، وشرح المعلقات العشر ص ٨٦.

(٤) البيت من الكامل، وأبو عدي هو عبد الله بن عمرو الأموي.