الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 213 - الجزء 1

  وعليه قوله ø: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦}⁣[الفاتحة: الآية ٦]، أي الدين الحقّ.

  وأما قوله تعالى: {فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ}⁣[النّحل: الآية ١١٢] فعلى ظاهر قول الشيخ جار الله العلّامة استعارة عقليّة، لأنه قال: شبّه باللّباس - لاشتماله على اللابس - ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث، وعلى ظاهر قول الشيخ صاحب المفتاح حسّيّة، لأنه جعل اللباس استعارة لما يلبسه الإنسان عند جوعه وخوفه، من امتقاع اللون، ورثاثة الهيئة.

  فالاستعارة: ما تضمّن تشبيه معناه بما وضع له.

  والمراد بمعناه: ما عني به، أي: ما استعمل فيه؛ فلم يتناول ما استعمل فيما وضع له، وإن تضمّن التشبيه به، نحو: زيد أسد، ورأيته أسدا، ونحو: رأيت به أسدا؛ لاستحالة تشبيه الشيء بنفسه.

  على أن المراد بقولنا: «ما تضمن» مجاز تضمن؛ بقرينة تقسيم المجاز إلى الاستعارة وغيرها، والمجاز لا يكون مستعملا فيما وضع له.

  وهاهنا شيء لا بد من التنبيه عليه، وهو أنه إذا أجري في الكلام لفظ دلّت القرينة على تشبيه شيء بمعناه، فيكون ذلك على وجهين:

  أحدهما: أن لا يكون المشبه مذكورا ولا مقدرا كقولك: «رنت لنا ظبية» وأنت تريد «امرأة» و «لقيت أسدا» وأنت تريد «رجلا شجاعا» ولا خلاف أن هذا ليس بتشبيه، وأن الاسم فيه استعارة.

  والثاني: أن يكون المشبه مذكورا أو مقدّرا، فاسم المشبه به إن كان خبرا أو في حكم الخبر - كخبر «كان» و «إنّ» والمفعول الثاني لباب «علمت» والحال - فالأصح أنه يسمّى تشبيها، وأن الاسم فيه لا يسمّى استعارة؛ لأن الاسم إذا وقع هذه المواقع؛ فالكلام موضوع لإثبات معناه لما يعتمد عليه، أو نفيه عنه؛ فإذا قلت: زيد أسد» فقد وضعت كلامك في الظاهر لإثبات معنى الأسد لزيد، وإذا امتنع إثبات ذلك له على الحقيقة كان لإثبات شبه من الأسد له؛ فيكون اجتلابه لإثبات التشبيه فيكون خليقا بأن يسمّى تشبيها؛ إذ كان إنما جاء ليفيده بخلاف الحالة الأولى، فإن الاسم فيها لم يجتلب لإثبات معناه للشيء، كما إذا قلت: جاءني أسد، ورأيت أسدا، فإن الكلام في ذلك موضوع لإثبات المجيء واقعا من الأسد، والرؤية واقعة منك عليه، لا لإثبات معنى الأسد لشيء؛ فلم يكن ذكر المشبه به لإثبات التشبيه، وصار قصد التشبيه مكنونا في الضمير، لا يعلم إلا بعد الرجوع إلى شيء من النفار.