الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

فصل شروط حسن الاستعارة

صفحة 240 - الجزء 1

  ولو لم تكن تخييلية لم تكن الاستعارة بالكناية مستلزمة للتخييلية، واللازم باطل باتفاق؛ فيتعين أن يقدرها مجازا، وإذا قدرها مجازا لزمه أن يقدرها من قبيل الاستعارة؛ لكون العلاقة بين المعنيين هي المشابهة؛ فلا يكون ما ذهب إليه مغنيا عن قسمة الاستعارة إلى أصلية وتبعية، ولكن يستفاد مما ذكر رد التركيب في التبعية إلى تركيب الاستعارة بالكناية على ما فسرناها، وتصير التبعية حقيقة واستعارة تخييلية؛ لما سبق أن التخييلية على ما فسرناها حقيقة لا مجاز.

فصل شروط حسن الاستعارة

  وإذ قد عرفت معنى الاستعارة التحقيقية، والاستعارة التخييلية، والاستعارة بالكناية، والتمثيل على سبيل الاستعارة، فاعلم أن لحسنها شروطا إن لم تصادفها عريت عن الحسن، وربما تكتسب قبحا.

  وهي في كل من التحقيقية والتمثيل رعاية ما سبق ذكره من جهات حسن التشبيه، وأن لا يشمّ من جهة اللفظ رائحته، ولذلك يوصى فيه أن يكون الشبه بين طرفيها جليّا بنفسه أو عرف أو غيره، وإلا صار تعمية وإلغازا، لا استعارة وتمثيلا، كما إذا قيل: «رأيت أسدا» وأريد إنسان أبخر، وكما إذا قيل: «رأيت إبلا مائة لا تجد فيها راحلة» وأريد الناس، أو قيل: «رأيت عودا مستقيما أوان الغرس» وأريد إنسان مؤدّب في صباه، وبهذا ظهر أنهما لا يجيئان في كل ما يجيء فيه التشبيه.

  ومما يتصل بهذا أنه إذا قوي الشبه بين الطرفين - بحيث صار الفرع كأنه الأصل - لم يحسن التشبيه، وتعيّنت الاستعارة، وذلك كالنور إذا شبّه العلم به والظلمة إذا شبّهت الشبهة بها؛ فإنه لذلك يقول الرجل إذا فهم المسألة: «حصل في قلبي نور» ولا يقول: «كأن نورا حصل في قلبي» ويقول لمن أوقعه في شبهة: «أوقعتني في ظلمة» ولا يقول: «كأنك أوقعتني في ظلمة».

  وكذا المكنيّ عنها، حسنها برعاية جهات حسن التشبيه.

  وأما التخييلية فحسنها بحسب حسن المكني عنها؛ لما بينا أنها لا تكون إلا تابعة لها.