الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في القصر

صفحة 99 - الجزء 1

  والأول من الحقيقي كقولك: «ما زيد إلا كاتب» إذا أردت أنه لا يتصف بصفة غير الكتابة، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام، لأنه ما من متصوّر إلا وتكون له صفات تتعذّر الإحاطة بها أو تتعسّر.

  والثاني منه كثير، كقولنا: «ما في الدار إلا زيد».

  والفرق بينهما ظاهر، فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الصفة المذكورة، وفي الثاني يمتنع.

  وقد يقصد به المبالغة؛ لعدم الاعتداد بغير المذكور، فينزّل منزلة المعدوم.

  والأول من غير الحقيقي: تخصيص أمر بصفة دون أخرى، أو مكان أخرى.

  والثاني منه: تخصيص صفة بأمر دون آخر أو مكان آخر، فكل واحد منهما ضربان.

  والمخاطب بالأول من ضربي كلّ - أعني تخصيص أمر بصفة دون أخرى، وتخصيص صفة بأمر دون آخر - من يعتقد الشركة، أي اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة وغيرها جميعا في الأول، واتصاف ذلك الأمر وغيره جميعا بتلك الصفة في الثاني.

  فالمخاطب بقولنا: «ما زيد إلا كاتب» من يعتقد أن زيدا كاتب وشاعر، وبقولنا: «ما شاعر إلا زيد» من يعتقد أن زيدا شاعر، لكن يدّعي أن عمرا أيضا شاعر، وهذا يسمى قصر إفراد، لقطعه الشركة بين الصفتين في الثبوت للموصوف، أو بين الموصوف وغيره في الاتصاف بالصفة.

  والمخاطب بالثاني من ضربي كل - أعني تخصيص أمر بصفة مكان أخرى وتخصيص صفة بأمر مكان آخر - إما من يعتقد العكس، أي اتصاف ذلك الأمر بغير تلك الصفة عوضا عنها في الأول، واتصاف غير ذلك الأمر بتلك الصفة عوضا عنه في الثاني، وهذا يسمى قصر قلب، لقلبه حكم السامع.

  وإما من تساوى الأمران عنده، أي اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة واتصافه بغيرها في الأول، واتصافه بها واتصاف غيره بها في الثاني، وهذا يسمى تعيين.

  فالمخاطب بقولنا: «ما زيد إلا قائم» من يعتقد أن زيدا قاعد لا قائم، أو يعلم أنه إما قاعد أو قائم ولا يعلم أنه بماذا يتصف منهما بعينه؟ وبقولنا: «ما قائم إلا زيد» من يعتقد أن عمرا قائم لا زيدا، أو يعلم أن القائم أحدهما دون كل واحد منهما، لكن لا يعلم من هو منهما بعينه؟