ذكر أيام المهدى
  ببيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا ولا أدبا(١) ولا جعل لك معاشا غيره، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه، ولا اعتذرت مما قدمته وفرّطت فيه من الحق حتى استنشدتني مبتديا، كأن بيننا أنسا قديما، ومعرفة شافية، وصحبة تبسط المنقبض!
  فقلت له: اعذرني متفضلا؛ فإن دون ما أنا فيه يدهش.
  قال: وفي أي شيء أنت، إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم وسبيلك إليهم، فحبسوك حتى تقوله، وأنت لا بد من أن تقوله، فتطلق، وأنا يدعى بي الساعة فأطالب بإحضار عيسى بن زيد بن رسول الله ÷، فإن دللت عليه فقتل لقيت الله بدمه، وكان رسول الله ÷ خصمي فيه، وإلّا قتلت، فأنا أولى بالحيرة منك، وأنت ترى احتسابي وصبري.
  فقلت: يكفيك الله وأطرقت خجلا منه(٢).
  فقال لي: لا أجمع عليك التوبيخ والمنع، اسمع البيتين واحفظهما. فأعادهما عليّ مرارا حتى حفظتهما، ثم دعى به وبي فلما قمنا قلت: من أنت أعزك الله؟.
  قال: أنا حاضر(٣) صاحب عيسى بن زيد. فأدخلنا على المهدي، فلما وقف بين يديه قال له: أين عيسى بن زيد؟.
(١) في ط وق «لولا أدبا» وفي الأغاني «من الشعر الذي لا فضل فيك غيره لم تصبر عن استعادتهما، ولم تقدم قبل مسئلتك عنهما عذرا لنفسك في طلبهما، فقلت له إلخ».
(٢) في الأغاني «فقلت له أنت والله أولى، سلمك الله وكفاك، ولو علمت أن هذه حالك ما سألتك، فقال: فلا نبخل عليك إذا ...».
(٣) في الأغاني «أنا خالص داعية عيسى بن زيد وابنه أحمد، ولم نلبث أن سمعنا صوت الأقفال فقام فسكب عليه ماء كان عنده في جرة، ولبس ثوبا نظيفا كان عنده، ودخل الحرس والجند معهم الشمع فأخرجونا جميعا، وقدم قبلي إلى الرشيد فسأله عن أحمد بن عيسى. فقال: لا تسألني عنه واصنع ما أنت صانع، فلو أنه تحت ثوبي هذا ما كشفته عنه، وأمر بضرب عنقه، فضرب. ثم قال لي: أظنك قد ارتعت يا اسماعيل، فقلت: دون ما رأيته تسيل منه النفوس. فقال ردوه إلى محبسه، فرددت، وانتحلت هذين البيت وزدت فيهما:
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... تكرهت منه طال عتبي على الدهر