شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[معرفة أنه لا بد من رسول]

صفحة 68 - الجزء 1

  بعد إن شاء الله تعالى.

  (دون الخبر من عند المنعم بكيفية الطاعة). وهذا رد على البراهمة، ومن لايرى الوسائط ولايقول بها، وينفي أن يكون الله تعالى أرسل رُسلاً إلى المكلفين، وأوضح لمن نظر وتفكر في الأدلة واعتبر، وهي: العقل، والكتاب، والرسول، وإجماع من إجماعه حجة عليه وعلى غيره. (إذ لايكون الخبر من الله ملاقاة لله)، والعقل يمنع من ذلك، ولانُعَرِّض على ما يقوله كلام البراهمة في تجويز الخبر إلى الكل، ولنا في هذا عليهم حجة ليس هذا موضع ذكرها، لأنه لما ثبت أمر بشيء وجب على الآمر تبيينه للمأمور وإزاحة علته، ولايكون إلا بواحد مخصوص بأمر مخصوص، على صفة مخصوصة، ولو لم يكن كذلك لكان قوله تعالى: {فَاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوْا لِي وَلاَتَكْفُرُوْنَ}⁣[البقرة: ١٥٢]، يتناول مِن شُكْرِ الشاكر ما تفوه به، وإن خالف شكر غيره، لَمَّا منع العقل من المشافهة، وثبت ألاّبد من إيصال خبر مخصوص، إلى واحد من جنس المأمورين به، لأن ذلك أقرب إلى التصديق، وأوجب على التحقيق من أن يكون صاحب الخبر من غير جنس المُخْبَر، ولايلزم على ذلك أن يقول المعترض: وما صَحَّ لجبريل وميكائيل وغيرهما من الملائكة $ من الله في الخبر يصح لغيرهم من رُسُل الأمم، وقد بينا ذلك في كتاب (الرسالة).