شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[معرفة أنه لا بد من رسول]

صفحة 69 - الجزء 1

  (فإذا عَلِم أن الخبر لايمكن من الله مشافهة لله، عَلِم أن خبر الطاعة لايمكن إلا برسول من عند المنعم بائن من البشر في أعلامه وفعاله).

  الكلام في إثبات النبوة في هذا الفصل أولى من الكلام في خبر الطاعة المتصل إليه من عند المنعم ليثبت مراده تعالى، وكذلك الكلام في دلالة الصدق أين يضعها الحكيم، لأنه يقبح من الحكيم أن يضع دلالة الصدق على أيدي الكذابين، وأن يرسل رسالته مع المتهمين، وقد ثبت في العقل أن الشَّريعَة من: قول، وفعل، فرعٌ لاتصح إلا بعد معرفة الشارع، والخبر الذي يأتي به الرسول لايصح حتى يُعْلَمَ الرسول ويُعْرَفَ، ويتميزَ من غيره بصفة زائدة يَبِيْنُ بها عن الغير.

  (فمن هاهنا لزم البالغ المدرك أن يعلم أن لله رسولاً لامِنْ قِبَل أخبار الناقلين).

  أن يعلم أن لله رسولا ليس بتواتر النَّقْل والأخبار، في قيام الرسول المختار، بل بالتحدي والدعاء، وإظهار المعجز حين أتى، والصبر على المحن والبلاء، وفراق الأقارب والأوطان، وشقاق الصاحب والإخوان.

  (فلما لم يجز إلا بعثةُ الرسل، وكانت الرسل من البَشَر، وفي مثل تركيب المبعوث إليهم، وعباداً لله مثلَهم، لم يجز تصديقهم على الله إلا بدلالة بَيِّنَة، وحجة قاطعة، يعلم الخلق بعجزهم عنها، أنَّ الله تولى ذلك على أيديهم).