شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[معرفة أنه لا بد من رسول]

صفحة 72 - الجزء 1

  فأكل منه الجَمُّ الغفير، والعدد الكثير.

  ومن معجز نبيئنا ÷ القرآن، الذي لم تأت العرب بمثله حين تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، مع فصاحتهم وشدة معارضتهم له، وتكذيبهم واستخفافهم بحقه، فاستمر له ذلك مع كراهة العرب لما دعاهم إليه، وحِدَّة شوكتهم، وكثرة عددهم، وامتناعهم في مملكتهم، فلم يمنعه ذلك من تكرير القول عليهم، وفيهم الفصاحة والبلاغة وكانوا يَتَفَاخرون بها ويرونها من أشرف المناقب، وأفخم المآثر، فكفوا عن معارضته، وأمسكوا عن مجاوبته عجزاً، وكانوا حُرَّاصَاً على توهين أمره، وإطفاء نوره، وتكذيبه في دعواه، ولم يمكنهم أن يأتوا بسورة على فحواه؛ لأن ذلك كان أيسر عليهم من القتال، وسفك الدماء وأخذ الأموال، فتعذر الإتيان بمثل القرآن على كافة العرب، فوجب بهذا أن القرآن ليس منه ÷، ولا من إبداعه، لأنه كان رجلاً من العرب يتكلم بلغتهم، ولايجوز أن يتكلم رجل بلغة أهل إقليم بما يبلغ ألف ورقة أو أقل من ذلك، ثم يعجز أهلُ الإقليم عن معارضته بقدر ورقة واحدة، وإنما يظهر فضل