شرح البالغ المدرك،

يحيى بن الحسين الهاروني (الإمام أبو طالب) (المتوفى: 424 هـ)

[ذكر الفترة والعمل فيها]

صفحة 118 - الجزء 1

  (وينصب حبائله)

  وهو مأخوذ من الحِبَالة، والأشراك، واحدها شَرَك، وهو الحِيَل والمكر والخدع.

  (ويدخل على الناس الشبهة، ويضطرهم إلى الحيرة).

  و (الشبهة) مأخوذ من شِبْهِهِ ومِثْلِه في فرعه وأصله، لايتخلص منها إلا المستعمل لعقله، لأن العقل حصن من الشبهة، ومعقل يلجأ إليه عند الأحوال المضطربة، (ويضطرهم إلى الحيرة)، معنى يضطرهم، أي: يغلب عليهم، فشَبَّه # ذلك بالضر الذي هو من غير فعله.

  وقد ورد في الكلام أن الإنسان يضطر غيره إلى أمره ونهيه، لاعلى سبيل الإكراه، وفيه مايكون كرهاً عليه، ولايصح ذلك من الشيطان، وعلى موجب القول بالعدل والتوحيد إن دُعَاء الشيطان الخلقَ إلى المعاصي غير مدخل لهم فيها، لأن دخولهم في المعاصي باختيارهم، والدعاء غير فعلهم، فإنما يحصل الإضطرارات، أن يزين له شيئاً ويرغبه فيه، ويكون القابل لذلك من قِبَل نفسه، ولامعنى لقول من يقول إن الشيطان يدخل في صدر الإنسان ليوسوس له شيئاً ويزينه له، وهذا من المحال لتعذر ذلك في الشاهد، ومنع العقل من ذلك، ولايتأول قوله تعالى: {يُوَسْوِسُ فِي صُدُوْرِ النَّاسِ}⁣[الناس: ٥] على ذلك، وإنما هذا خبر من الله ø وإعلام، ومَثَلٌ يجري عند ذوي الأفهام، ومن يعرف العربية والكلام، لما كانت الوسوسة في النفس، وكانت