(8) - الالتزام والتطبيق لما يدعو إليه:
  قَالَ مَالِكُ بِن دِينَارٍ: «إِنَّ الْعَالِمَ إِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ، زَلَّتْ مَوْعِظَتُهُ عَنِ الْقُلُوبَ كَمَا يَزِلُّ الْقَطْرُ عَنِ الصَّفَا».
  فَإِنَّ مَنْ حَثَّ عَلَى التَّحَلِّي بِفَضِيلَةٍ، وَهَوَ عَاطِلٌ مَنْهَا، لاَ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، كَمَنْ يَحُثُّ النَّاسَ عَلَى الْحِلْمِ، وَالصَّبْرِ، وَالْكَرَمِ، وَهُوَ بِضِدِّ ذَلِكَ.
  وَقَدْ عَابَ اللَّهُ تَعَالَى وَوَبَّخَ مَنْ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَى نَفْسَهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.
  فَهُوَ تَعَجّبٌ لِلْعُقَلاَءِ مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ الْمَعِيبِ، وَلِلْتَعَجُّبِ وُجُوهٌ.
  مَنْهَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الأَمْر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، إِرْشَادُ الْغَيْرِ إِلَى الْخَيْرِ، وَتَحْذِيره مِنَ الشَّرِّ، وَإِرْشَادُ النَّفْسَ إِلَيْهِ، وَتَحْذِيرهَا مِنْهُ، مُقَدَّمٌ بِشَواهِدِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ.
  فَمَنْ وَعَظَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَتَّعِظْ فَكَأَنَّهُ أَتَى بِمَا لاَ يَقْبَلُهُ الْعَقْلُ السَّلِيمِ.
  وَمِنْهَا: أَنَّ الْوَاعِظَ الْفَاعِلَ لِلْمُحَرَّمَاتِ الْمُحَذِّرَ عَنْهَا، يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعْصِيةِ، لأَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ لَوْلاَ أَنَّ هَذَا الْوَاعِظَ مُطَّلِعٌ