رسالة يا بني،

طيب عوض منصور (معاصر)

الوصية الخالدة وصية الإمام علي # لابنه الحسن $

صفحة 413 - الجزء 1

  أَحْيِ قَلْبَكَ بِالْمَوْعِظَةِ، وَأَمِتْهُ بِالزَّهَادَةِ، وَقَوِّهِ بِالْيَقِينِ، وَنَوِّرْهُ بِالْحِكْمَةِ، وَذَلِّلْهُ بِذِكْرِ الْمَوْتِ، وَقَرِّرْهُ بِالْفَنَاءِ⁣(⁣١)، وَبَصِّرْهُ⁣(⁣٢) فَجَائِعَ⁣(⁣٣) الدُّنْيَا، وَحَذِّرْهُ صَوْلَةَ الدَّهْرِ وَفُحْشَ تَقَلُّبِ اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ، وَاعْرِضْ عَلَيْهِ أَخْبَارَ الْمَاضِينَ، وَذَكِّرْهُ بِمَا أَصَابَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الأَوَّلِينَ، وَسِرْ فِي دِيَارِهِمْ وَآثَارِهِمْ، فَانْظُرْ مَا فَعَلُوا عَمَّا انْتَقَلُوا، وَأَيْنَ حَلُّوا وَنَزَلُوا ..؟

  فَإِنَّكَ تَجِدُهُمْ انْتَقَلُوا عَنِ الأَحِبَّةِ، وَحَلُّوا دَارَ الْغُرْبَةِ، وَكَأَنَّكَ عَنْ قَلِيل قَدْ صِرْتَ كَأَحَدِهِمْ.

  فَأَصْلِحْ مَثْوَاكَ، وَلاَ تَبِعْ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ، وَدَعِ الْقَوْلَ فِيَما لاَ تَعْرِفُ، وَالْخِطَابَ فِيَما لَمْ تُكَلَّفْ، وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلاَلَتَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عِنْدَ حَيْرَةِ الضَّلاَلِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الأَهْوَالِ وَأْمُرْ بالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ وَبَايِنْ⁣(⁣٤) مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ، وَجَاهِدْ فِي اللَّهِ حَقَّ جَهَادِهِ، وَلاَ تَأْخُذْكَ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لاَئم، وَخُضِ الْغَمَرَاتِ⁣(⁣٥) إِلَى الْحَقِّ حَيْثُ


(١) قَرِّرْه بِالْفَنَاءِ: أَيْ: سكّنه عمَّا ينزع إِلَيْهِ.

(٢) بَصِّرْه: اجعله بصيراً.

(٣) الفَجَائِعُ: جَمْعُ فَجيعَةٍ وَهِيَ الْمُصِيبَةُ تُفْزِعُ بِحُلُولِهَا.

(٤) الْمُبَايَنَةُ هِيَ: الْمُبَاعَدَةُ، وَأَرَادَ البُعْدَ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، وَالإِمْكَانِ منك.

(٥) الْغَمْرَةُ: كَثْرَةُ الْمَاءِ، وَالْغَمْرَةُ: الزَّحْمَةُ مِنَ الْنَّاسِ، وَأَرَادَ اقْتَحِم الأُمُورَ الشَّدِيدَة إِلَى نَيْلِ الحق وبلوغه.