[الكلام على التعوذ وإعرابه]
  وقوله: (السَّمِيع العليم) صفتان مجرورتان على اسم الله تعالى، مُجرَّدِ الثَّنَاءِ، ومعناهُما أَنَّهُ يَسمَعُ كُل مَسموع، ويَعلَمُ كل معلُومٍ، فَلا يَخْفَى عَليهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَمِلُ عليه الملوانِ، واختَصَّتَا من بينِ الصَّفاتِ لمُطابَقَةِ ذِكرِهِمَا لِلمقام، فإن قالَ قَائِلُ: لَمَ شُدِّدَت السِّينُ في (السَّمِيع)؟ فقُلْ: أَدغِمَت فيها اللامُ بعدَ قَلبِها سِينا.
  واللام تُدغَمُ في أربَعةً عَشَرَ حَرفًا، في التَّاءِ، والثَّاءِ، والدَّالِ، والذَّالِ، والرَّاءِ، والزَّاي، والسِّينِ، والشَّينِ، والصَّادِ، والضَّادِ، والطَّاءِ، والظَّاءِ، والنُّونِ، واللام. قِيلَ: وَإِنَّمَا صَارَتْ تُدغَمُ فِي أَربَعَةَ عَشَرَ حَرفًا، وَهِي نِصفُ حُرُوفِ الْمُعَجَمِ؛ لأَنَّهَا أوسعُ الحَروفِ مَخرَجًا، وهي تَخرُجُ من حافة اللسان، من أدناه إلى منتهى طَرَفِ اللسان، وفُوَيقَ الضَّاحِكِ والنَّابِ والرُّباعِيّةِ والثِّنيةِ، فَلَمَّا اتَّسَعَت فِي الفَم، وقَرُبَت من هذهِ الحُروفِ أُدخِلَتَ فِيهَا، وَحَافَةُ النِّسَانِ طَرَفَهُ.
  و (مِنْ) في قوله: (مِن الشَّيطان) حرفُ جَرٍّ، وهي في مثل ذلك لابتداء الغاية في المكان، كما أنَّ (إلى) لانتهاء الغاية، ويُعرَفُ الابتداء بما يَكُونُ لَهُ انتهاء وغَايَةً في الغالب، فإذا قُلتَ: لِزَيدِ مِن الحَائِطِ إلى الْحَائِطِ، فقد بَيَّنَتَ بِهِ طَرَفَي مَا لَهُ؛ لأَنَّكَ ابتدأت بـ (مِنْ) وانتهيت بـ (إلى)، وكذَلِكَ: خَرَجْتُ مِنَ العِرَاقِ إِلَى مَكَّةَ، ورُوِيَ عَن ثَعلب أَنَّهُ قالَ: إذا قالَ الرَّجُلُ: لِزَيدِ عَلَيَّ مِن وَاحِدٍ إِلى عَشَرَةٍ، فَجَائِزٌ أَن يَكُونَ عَلَيْهِ ثَانِيَةٌ إِذا أَخرَجْتَ الحَدَّينِ، وأَن يَكُونَ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ إِذا أَدخَلْتَ الْحَدَّينِ، وأَن يكُونَ عَلَيهِ تِسْعَةٌ إذا أدخَلتَ حَدًّا وأَخرَجتَ حَدًّا.