[الكلام على دعاء التوجه وإعرابه]
[الكَلَامُ عَلَى دُعَاءِ التَّوَجُهِ وَإِعْرَابُهُ]
  فإذا فَرَغَ المُكَلفُ قَدَّمَ على نِيَّةِ الصَّلاةِ والدُّخُولِ فِيهَا مُقَدِّمةً، يُنَبِّهُ بِها نَفْسَهُ على عَظَمَةِ مَن يُرِيدُ مُخَاطَبَتَهُ والتَّقَرُّبَ إلَيهِ؛ لِيَدخُلَ فِيهَا، وَقَدْ اسْتَجَمَعَ خَاطِرَهُ، فَقالَ مُنَبِّهًا لنفسه:
  «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ والأرض»، أي: صَرَفتُ وَجهِيَ إلى الجهَةِ التِي أُمِرْتُ بِالتَّوَجُهِ إلَيها حال أَدَاءِ هَذهِ العِبادة، وجَعَلْتُ تَوَجُهِيَ إليها تعبدا للذي ابْتَدَعَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرضَ، فَرَفَعَ سَمِكَ السَّمَاوَاتِ كَمَا أَرَى، وسَطَحَ الأرضَ فَرَأَى الوَرَى، وفَعَلتُ هَذا التَّوَجُهَ في حالِ كَونِي (حَنِيفًا)، أي: مَائِلاً بِنَفْسِي عن كُلِّ دِينِ سِوَى هَذَا الدِّينِ، وحَالَ كَونِي (مُسْلِما)، أي: مُسْتَسْلِما مُنقادًا لأمرِ رَبِّ العالَمينَ، فَهَذِهِ المَعَاني يَنبَغِي أَن يَقصُدَها العَبدُ عندَ نُطقِهِ بهذه الألفاظ.
  وَ (وَجَّهْت) فِعل ماض وفاعِلٌ، فَالفِعلُ وَجَّهَ، وَالفَاعِلُ التّاءُ، وَإِنَّمَا سَكَنَ آخِرَ الفِعلِ الماضي هُنا وهُوَ الهَاءُ؛ لأنَّ ذلِكَ هو الوَاجِبُ في الفعل الماضي عندَ اتِّصَالِ الضَّمِيرِ المَرفُوعِ الْمُتَحَرِّكِ بِهِ، نحو: ضَرَبْتُ، وَقَتَلْتُ، هَرَبًا مِن اجتِماعِ أَرْبَعِ حَرَكَاتٍ لَوَازِم.
  و (وَجْهِيَ) مَفْعُولٌ بِهِ، وَإِنَّما لَم يَظْهَرْ عَلَيهِ النَّصْبُ؛ لاشَتِغَالَ مَحَلَّ الإِعْرَابِ وهو الهاء بالكسرَةِ التي تَقتَضِيها ياء المتكلم.