[الكلام على التعوذ وإعرابه]
  قال ابنُ الحَاجِبِ: وقد تأتي (مِن) مُفيدةً معنى الابتداء، مع استبعاد معنى الانتهاء لِعَدَم القَصدِ إليهِ، كَما في قولِهِ: (أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ)، إذ الغاية في ذلكَ غَيْرُ مَقصُودةٍ، فَعَلى هَذَا لا تَكُونُ (مِنْ) المَذْكورَةُ فِي التَّعَوذ لَازِمَة لِمعنَى الانتهاء، ونُونُ (مِنْ) واحِبَةُ البناء على السُّكونِ، نحو: مِنْ زَيدِ، وهو الأصل في جميع المَبَنِيَّاتِ، وإِنَّما حُرِّكَتَ هُنَا لِملاقاتِهَا السَّاكِنَ، وهو لامُ (الشَّيْطَانِ)؛ لأَنَّ هَمَزَتَهُ تَسقُطُ في الوَصْلِ، وخُصَّت بِالفَتح طَلبًا لِلتَّخفِيفِ فَفُتِحَت النُّونُ في قولك: مِنَ الشَّيْطَانِ، وكُسرت النُّونِ في قولِكَ: عَنِ الشَّيْطَانِ، [غَيْرَ أَنَّهم اختارُوا] الفتح في (مِنَ) لانكسار الميم، واختاروا الكسر في (عن)؛ [لانفتاح العَينِ، فأما قولهم:] إن الله أَمْكَنَنِي مِن كَذَا، فَإِنَّا كَسَروا النُّونَ مَعَ الهمزةِ لِقِلَّةِ استعمالهم إيَّاه.
  (الشيطانِ) مجرور بـ (من)، وعلامَةُ جَرِّهِ كَسَرَةُ النُّونِ، وَالوَجهُ في تَشْدِيدِ الشَّينِ إدغام اللام فيها بعد قلبها شِينًا كَما قَدَّمْنَا.
  قال ابنُ خَالَوَيْهِ: والشَّيطانُ يَكُونُ (فَعْلَان) مِن أَشَاطَ يُشِيطُ، وشَاطَ يَشِيطُ: إذا أهْلَكَهُ، ومِن شَاطَ بِقَلْبِهِ، أي: مَالَ بِقَلْبِ ابْنِ آدَمَ.
  ويكُونُ (فَيْعَالا) مِن شَطَنَ، أي: بَعُدَ، كَأَنَّهُ بَعُدَ عَنِ الْخَيرِ، كَمَا أَنَّهُ سُمِّيَ إِبِلِيسُ