إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على دعاء التوجه وإعرابه]

صفحة 49 - الجزء 1

  فـ (ما) حرفُ نَفْيِ بِمعنى (ليسَ)، وعَمَلُهَا رَفعُ الاسمِ ونَصبُ الخَبَرِ عِندَ أَهْلِ الحجاز كـ (ليس).

  ومَحَلُّ (أَنَا) الرَّفْعُ؛ لِكُونِه اسمَ (مَا)، ومِن حُكْم هَذَا الضَّمِيرِ حَذْفُ أَلِفِهِ فِي الوَصلِ فِي غَيْرِ لُغةِ تَمِيمٍ، تَقُولُ: أَنَا فَعَلْتُ، بِحَذْفِ الْأَلِفِ، وفِي لُغَةِ تَمِيمٍ بِإِثْبَاتِهَا، وَبِهَا قَرَأ نافع في: {أَنَا أُحْيِي}. وَمَحَلُّ الجَارُ والمَجرُورِ مَعَا النَّصَبُ، إِذ هما في موضع خَبَرِها، وحَرفُ الجَرِّ مُتعَلِّقٌ بِمحذُوفٍ؛ إِذَا وَقَعَ خَبَرًا، أو حالاً، أو صِلةً، أو صِفَةٌ، وَمَا عَدَا ذَلكَ فَإِنَّه يَتَعَلقُ بِمَوجُودٍ، أَو بِمَا هُوَ فِي حُكمِ الْمَوجُودِ.

  وَمِمَّا تَوالَت فِيهِ حُرُوفُ الْجَرِّ ونَحوُهَا مِمَّا تَعَلُّقِهَا بِمَحذُوفٍ لِوُقوعِهَا فَي أَكثرِ الْمَوَاضِعِ المذكورة قَولُهُ تعالى: {يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}⁣[هود: ٤٨]، فالباء في قوله: (بِسَلام) مُتعلقة بمحذوف؛ لأنها في موضع الحال، أي: اهبط كائِنا بسلام، و (مِنَّا) في موضع جَرٍّ، مُتعلّق بمحذوف؛ لأَنَّهُ نَعثُ لـ (سلام)، و (عَلَيْكَ) في موضعِ جَرٍّ، مُتعلّق بمحذوف؛ لأَنَّه نَعتُ لـ (بَرَكَاتٍ)، و (عَلَى أُمَمٍ) مُتَعَلِّق بما تعلق بهِ (عَلَيْكَ)، وأَعِيدَ الحَرفُ لأجل العطف على مِن (عَلَيْكَ)، و (من) في قوله: (ممن) مُتعلقة بمحذوف؛ لأنه في موضع جَرَّ نعتا لـ (أمم)، و (مَعَكَ) مُتعلّق بِفعل محذوف؛ لأنَّه صِلَةٌ لـ (مَنْ)، أي: مِّن اسْتَقَرَّ مَعَكَ، فافُهُمْ ذَلكَ.