إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على الفاتحة وإعرابها]

صفحة 59 - الجزء 1

  فحُذِفت الهمزةُ اختصارًا بعدَ ثِقَلِ حَرَكَتِهَا، ثُمَّ أُدغِمَت اللامُ في اللامِ بالتشديد من أجل ذلك كَما تقدَّمَ.

  وفِيهِ قَولٌ آخَرُ جَوَّزَهُ سِيبَوَيهِ وهو أنَّ أصلَهُ (ليه)، من لَاَهَ لَيْهَا: اسْتَتَرَ، فَقُلبت الياء ألفًا لِتَحرُّكها وانفتاح ما قبلها، فصار لاه، ثُمَّ أَدْخَلُوا الأَلفَ واللامَ عَليهِ، وأدغمت اللامُ في اللام فصَارَ (الله)، ولم يُطلَق بعد الإدغام على غيرِ المَعبُودِ بِالحَقِّ، لا في جاهليّة، ولا في إسلام كما تَقدَّمَ.

  قالَ جَارُ اللَّهِ العلامةُ |: وهو اسم غير صفة، بدليل أَنَّكَ تَصِفُهُ، ولا تَصفُ بِهِ، لَا تَقُولُ: شَيْءٌ إِلَهُ، كَما لا تَقُولُ: شَيْءٌ رَجُلٌ، وَتَقُولُ: إِلَهُ وَاحِدٌ صَمَدٌ، كَمَا تَقُولُ: رَجُلٌ كَريمٌ خَيرٌ، قال: وأيضًا فإنَّ صِفاتِهِ لَا بُدَّ لها من مَوصُوفٍ تجري عليه، فلو جعلتها كلها صفات بقيَتْ غير جاريَةٍ على اسم موصوف بها، وهذا محال انتهى.

  قيل: والظَّاهرُ من كلام كثير من أهل العربيّةِ أَنَّه عَلَمُ لِلقَديم تعالى، واستَدَلُّوا على ذلك بأنَّهُ لَو لَم يَكُن عَلمَا لَما صَحَ الاستثناءُ فِي {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}⁣[محمد: ١٩]، إذ لا يُستَثنَى الشَيء من نَفْسِهِ، ولأنَّهُ لَو لَم يَكُن عَلَما لَمَا كَانَ {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} صَرِيحًا في التَّوحِيدِ؛ لأنَّهُ لَو لَم يَكُن عَلَما لَم يَكُن يصوّرُ معناهُ مانعا من وُقُوعِ الشَّرِكَةِ، فَلاَ يَكُونُ الاستثناءُ صَرِيحًا في التَّوحِيدِ والجَوَابُ [أَنَّ] المُسلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يجوز إجراء اللقب على الله تعالى، والأعلام كالألقاب.

  وأَمَّا مَا احْتَجُوا بِهِ فَغَيْرُ وَاضِحِ؛ لأنَّ الأَلِفَ واللَامَ فِيهِ لِلعَهْدِ، وَتَعرِيفُ العَهْدِ جَارٍ مِجرَى العَلَم؛ لِمَنْعِهِ وقُوعَ الشَّرِّكَةِ فِيمَا دَخَلَ عَلَيْهِ، فمعنى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ: لَا خَلِيقَ بالعِبادَةِ إلا الإله المَعبُودُ، وَهَذَا لَا إِشكَالَ فِيهِ كَمَا تَرَى.