إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على الفاتحة وإعرابها]

صفحة 65 - الجزء 1

  و {رَبِّ} مجرور صفة جارية على الله تعالى مضافة إلى العالمين، ومعناها مالك، تقُولُ: رَبَّهُ يَرُبُّهُ فهو رَبُّ، ويجوز أن يكون وصفًا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل. ذكَرَهُ الزَّمخشَرِيُّ، قال: ولَم يُطلِقُوا الرَّبَّ إلا في اللهِ وَحدَهُ، وهو في غَيرِهِ على التقييد بالإضافة كقَولِهِم رَبُّ الدَّارِ ورَبُّ النَّاقَةِ، وقَولِهِ تعالى: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}، {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}⁣[يوسف: ٢٣]، قيل: وقد جاءَ مُستعملاً بالألف واللام في حَقٌّ غَيرِ اللهِ تعالى، وذَلِكَ في قَولِ الشَّاعِر: [الخفيف]

  وَهُوَ الرَبُّ وَالشَّهِيدُ عَلى يَوْمِ ... الحَيَارَينِ وَالبَلاءُ بَلاءُ

  وقَرَأَ زَيدُ بنُ عَليه ¥ {رَبَّ العَالَمِينَ} بِالنَّصبِ على المَدْحِ، وَقِيلَ: بِمَا دَلَّ عَليهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} كَأَنَّهُ قِيلَ: نَحْمَدُ اللهَ رَبَّ العَالَمينَ.

  و {الْعَالَمِينَ ٢} جَمعُ عَالَم وهو مجرورٌ بالإضافة، وعلامَةُ جَرِّهِ اليَاءُ الَّتِي قَبلَ النُّونِ، قيل: وفي اليَاءِ ثَلاثُ عَلاماتِ: عَلامَةُ الجَرِّ، وَعَلامَةُ الجَمع، وعَلَامَةُ التَّذْكِيرِ، وَحُرِّكَت النُّونَ بِالتِقَاءِ السَّاكِنَين، وهو النُّونُ واليَاءُ، وخُصَّتَ بِالفَتح فَرقًا بينَهَا وبين نُونِ المثنى. قال في الكَشَّافِ: والعالم اسمُ لِذَوِي العِلم من الملائكةِ والثَّقَلَينِ، وقِيلَ: كُلُّ مَا عُلِمَ بِهِ الخَالِقُ مِنَ الأَجْسَامِ والأَعْرَاضِ، وَإِنَّمَا جُمِعَ ليشمل كُل جِنسِ مِمَّا سُمِّيَ بِهِ. فإن قِيلَ: فهو اسم غيرُ صِفةٍ، وَإِنَّمَا تُجمَعُ بِالواو والنُّونِ صِفاتُ العُقَلاءِ، أو ما في حكمها من الأعلام. قُلْنَا: إنّما جَازَ ذلك؛ لأنَّ فِيهِ مَعنَى الوَصفِيَّةِ، وهي الدَّلالة على مَعنَى العَلَم، وفِيهِ مَن يَعقِلُ.