إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على سورة الإخلاص وإعرابها]

صفحة 91 - الجزء 1

  الله مُبْتَدَأةٌ، وخَبَرُهُ {الصَّمَدُ ٢}، والصَّمَدُ (فَعَل) بمَعنَى (مَفْعُول)، مِن صَمَدَ إِلَيْهِ إِذَا قَصَدَهُ، وهو السَّيْدُ المَقصُودُ إلَيهِ فِي الْحَوَائِجِ، وَالمَعَنَى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي تَعرِفُونَهُ، وتُقِرُّونَ بِأنّهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ والأرضِ وخَالِقُكُم، وَهُوَ وَاحِدٌ مُتَوَحّدٌ بالإلهية، لا يُشَارَكُ فِيهَا، وَهُوَ الَّذِي يَصمدُ إليهِ كُلُّ مَخلُوقٍ، لَا يَستَغنُونَ عَنهُ، وَهُوَ الغَنِيُّ عَنهُم.

  واسم الله تعالَى مُكَرَّرٌ، لَكِنَّهُ في جُملَتَين، وتكرير الاسم في الجملتين كَثِيرٌ وإن اتصلتا، ومثله قَولُهُ تعالى: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ}⁣[الأنعام: ١٢٤]، وقَولُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ١٢}⁣[الحجرات]، وأما تكرِيرُ الاسمِ فِي الجُمَلِةِ الوَاحِدَةِ فَضَعِيفٌ غَيْرُ كَثِيرٍ، نحو: زَيدٌ ضَرَبَت زَيدًا، على إِقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الضَّمِيرِ؛ لأنّ الضَّمِيرَ أخَفُ، إِلَّا أَن يَكُونَ فِي مَوضِعِ التَّفخِيمِ، نحو قولِهِ تعالى: {الْقَارِعَةُ ١ مَا الْقَارِعَةُ ٢}⁣[القارعة].

  {لَمْ يَلِدْ}⁣[الإخلاص: ٣]، كَما زَعمتْ اليَهُودُ أنْ عُزَيرًا ابنُ اللَّهِ، وَالنَّصَارَى أَنْ المَسِيحَ ابْنُ اللهِ، ومَن زَعَمَ من العَرَب أنّ المَلائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ، وذَلكَ لأَنَّهُ تعالى لا يُجَانَسُ حَتَّى تَكُونَ لَهُ من جنسِهِ صَاحِبَةٌ فَيَتَوَالَدًا، وَقَد دَل عَلى هَذَا المَعنَى بِقَولِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ}⁣[الأنعام: ١٠١].

  و (يَلِدْ) مَجزُوم بـ (لم)، والأصل (يَوْلِد)، فَلَما وَقَعَت الوَاوُ بَينَ يَاءِ مَفْتُوحَةٍ وكَسَرَةٍ أصليّةٍ حُذِفَتَ لِثِقَلِهَا حِينَئِذٍ، ثُمَّ سَكَنَت الدَّالُ لأجل الجزم.

  واحتَرَرْنَا بِقَولِنَا: مَفتوحة عن مِثلِ: (يُوعِدُ) مُضَارِع (أَوَعَدَ) فَإِنّها لا تُخَذَفُ مِنْهُ، مع أَنهَا وَقَعَت بَينَ يَاءٍ وكَسَرَةٍ أصلية؛ لأنها لَم تَقَعْ بَينَ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَكَسَرَةٍ، وَاحْتَرَزْنَا بِقُولِنَا: (وكَسَرَةٍ) عن مثل: (وَسُمَ يَوْسُمُ) و (وَجَلَ يَوْجَلُ) فإنّها لا تُخَذَفُ منه؛