إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على سورة الإخلاص وإعرابها]

صفحة 92 - الجزء 1

  لأنها وَقَعَت ما بَينَ يَاءٍ وغَيْرِ كَسَرَةٍ، وقيدنَا بِالأصلية لِيَشْتَمِلَ نحو: يَعِدُ ويَقَعُ، فَإِنْ أَصلَهُ يَوقعُ.

  {وَلَمْ يُولَدْ ٣}⁣[الإخلاص]، مِنْ أَحَدٍ كَما وُلِدَ عِيْسَى وَعُزَيْرٌ، أَو لَم يَلِدْ كَما وَلَدَت مَرْيَمُ، وَلَمْ يُولَد كَما وُلِدَ عِيسَى، أكذبَ اللهُ القائِلِينَ بِأَنَّ مَرْيَمَ وَعِيْسَى إلهان، وذَلكَ لأنَّ كُل مَولُودٍ مُحدَتْ وجِسمٌ، وَهُوَ تَعَالَى قَدِيمٌ لا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ، وليسَ بِجسمٍ.

  و (يُولَدْ) مَجزُومٌ أيضًا بـ (لم)، وعلامة جزمه سُكُونُ الدَّالِ. وَثَبَتَتْ الوَاوُ فِيهِ؛ لأنّ قَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وإِن شئتَ قُلتَ: لأنّ بَعدَهَا فَتَحَةٌ، إذ قَد اجْتَمَعَ فِيهَا الْأَمْرَانِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُما يُستَعمَلُ في ثَبَاتِ الوَاوِ على حالها كما تَقَدَّم.

  {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، أي: ولَم يَكُن لَهُ مِثْلاً؛ لأنّ المِثْلَ يُكافِيء مِثْلَهُ ويُقَاوِمُهُ. قال في الكَشَّافِ: ويجوز أن تكون الكفاءة في النكاح، نفيًا للصَّاحِبَة. انتهى.

  و (يَكُن) مَجزُوم بـ (لم)، والأصل: (ولم يَكُونْ) فَاسْتُثقِلَت الضَّمَّةُ على الوَاوِ فَنُقِلَتْ إلى الكَافِ، وَسَقَطَتْ الْوَاوُ لِسُكُونِها، وسُكُونِ النُّونِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُضَارِعَ (كَانَ) جَاءَ في كتاب الله تعالى بعد الجازمة على صِيَغِ ثلاث:

  الأولى: (يَكُنْ) بِحَذفِ الوَاوِ، قال تعالى: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}⁣[الأعراف: ٢]، وَوَجهُ حَذفِهَا مَا تَقَدَّمَ مِن سُكُونها، وسُكُونِ النُّونِ، وذَلِكَ أنّ كُل فِعل إِذَا ضُمّت لامُهُ، واعتلت عينُهُ، كَان حَذَفَ عَينِهِ عندَ سُكُونِ لامِهِ لالتقاءِ السَّاكِنَين، لا للجزم.

  والصيغة الثانية: (تَكُونَنَّ) بإثبات الواو، قال تعالى: {فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ٣٥}⁣[الأنعام]، وَوَجهُهُ أنَّهُ لما جِيءَ بِنُونِ التَّأْكِيدِ المُشَدَّدَةِ فَانفَتَحَت النُّونُ الأُولَى