[الكلام على سورة الإخلاص وإعرابها]
  رَجَعَت الوَاوُ، وَإِذَا كَانَ حَذْفُهَا لِقَارَنَةِ السَّاكِنِ رَجَعَ مَا حُذِفَ لِأَجِلٍ سُكُونِهِ.
  والصيغة الثَّالِثَةُ: (يَكُ) بحذفِ الوَاوِ والنُّونِ، قال تعالَى: {وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ١٢٧}[النحل]، أمَّا حَذفُ الوَاو فَلَمَا مَرَّ، وأَمَّا حَذْفُ النّون فَلِمُضَارَعَتِهَا بِأَحْرُفِ المَدِّ واللين إذَا كَانت إعرَابًا في (يَقُومَانِ)، وَسُقُوطُهَا عَلامَةُ الجَزْمِ، نحو: (لَمْ يَقُومَا)، كما تَقُولُ فِي حَرفِ المَدِّ واللين: (تَدعُو، وتَعْزُو، ولَمْ تَدعُ، ولم تَغْرُ) فَلَا كَثُرَ اسْتِعمالهُم لـ (كَانَ، يَكُونُ) حَذَفُوا النُّونَ اخْتِصَارًا، فَافْهَم هَذِهِ النكتَةَ فَإنّها لطيفة.
  و (كُفُوًا) خَبَرٌ لِـ (كَانَ)، و (أَحَدٌ) اسمُهَا، والجَارُّ والمَجرُورُ، أعني (لَهُ) لَغْو، أي: غير خبر.
  فإن قيل: الكَلامُ العَرَبِيُّ الفَصِيحُ أن يُؤَخَّرَ الظَّرِفُ الَّذِي هو لَغَوٌ غير مُستَقَرٌّ، ولا يُقَدَّمُ، وقَد نَصَّ سِيبَوَيْهِ على ذَلكَ فِي كِتابه، حَيثُ اسْتَحْسَنَ تَقدِيمَهُ إِذَا كَانَ مُستَقَرًّا، نحو قولِكَ: (مَا كَانَ فِيهَا أَحَدٌ خَيْرٌ مِنكَ)، وتَأخِيرُهُ إِذَا كَانَ لَغَوّا، نحو قولِكَ: (مَا كَانَ أَحَدٌ خَيْرًا مِنكَ فِيهَا).
  قالَ: فَمَا بَالُ اللغْوِ مُقَدِّمًا في أفصح الكلام وإعْرَابِهِ؟
  قُلْنَا: قَد أَجَاب عَن هَذَا فِي الكَشَّافِ بِأَن قال: إِنَّمَا سِيقَ لِنَفِي المُكافَاةِ عن ذَاتِ البَارِي سُبحَانَه؛ وهَذَا المَعنَى مَصَبُّه ومَرْكَزُهُ هُوَ هَذَا الظَّرفُ، فَكَانَ لِذَلكَ أَهُمْ شَيْءٍ وَأَعْنَاهُ، وَأَحَقَّهُ بِالتَّقْدِيمِ وَأَحرَاهُ.