إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على أذكار الركوع والانتقال والسجود وإعرابها]

صفحة 97 - الجزء 1

  ثُمَّ إِذَا فَعَلَ المُصَلّي ذلك ثلاثا بترتيل وتأمل للمعاني قَصَدَ الانتقالَ عَنْهُ إلى الاعتدال امتثالاً لأمر الله تعالى، ويكون القصد عندَ الرفع، فَإِذَا أَكملَ اعْتِدَالَهُ دَعَا إلى اللهِ سُبحانَهُ أن يتَقَبَّلَ منهُ ذَلكَ الحَمدَ في رُكُوعِه بأن يَقُولَ إن كانَ إمامًا أو مُنفَرِدًا: (سَمِعَ اللَّهُ لَمَن حَدَهُ)، ويقصد مع الدّعاءِ أَداءَ الَّذِي شُرِعَ عليهِ فِي الصَّلاةِ من التسميع، ومَفعُولُ (سَمِعَ) مَحذُوفٌ، والتقدِيرُ: سَمِعَ اللَّهُ الْحَمْدَ لَمن حَمِدَهُ.

  و (سَمِعَ): فِعلٌ مَاضٍ مَبني على الفتح، يَتَعدّى بِنَفْسِهِ إِلى وَاحِدٍ فَقَط، نحو: سَمِعتُ الصوت، إلا أن يعلّق بعين، نحو: سَمِعتُكَ تَقُولُ كَذَا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَنصِبُ المُبَتَدَأ والخَبَرَ كَأفِعَالِ القُلُوب، ومَفْعُولُهُ حِينَئِذٍ مَضمُونُ الجُمْلَةِ، أي: سَمِعْتُ قَولَكَ.

  واسمُ اللَّهِ مَرْفُوعٌ؛ لِكُونِهِ فَاعِلَ (سَمِعَ).

  وقَولُهُ: (لِمَن): جَارٌ ومَجَرُورٌ، فَالْجَارُ اللامُ، والمَجِرُورُ (مَن) وَهُوَ مَوصُولٌ بِمَعنَى الَّذِي.

  و (حَمِدَ) فِعل مَاضٍ مَبني على الفتح، وهُو صِلَةُ المَوصُولِ، والعائد ضَمِيرُهُ الفَاعِلُ المُستَتِرُ، والضّمِيرُ البَارِزُ الرَّاجِعُ إِلى اللَّهِ تعالى مَنصُوبُ المَحَلِّ بِالفِعلِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ

  وإذا كانَ المُصَلِّي مُؤتَمًّا قال: (رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ).

  فـ (ربَّ) مَنصُوبٌ لِكُونِهِ مُنَادَى مُضَافًا إلى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَحَرْفُ النَّدَاءِ مَحَذُوفٌ. والتقدِيرُ: يَا رَبَّنَا، وإنما جازَ حذفهُ من (رَبِّ) مع كونِهِ اسم جنس؛ لِكونِهِ مُضافًا إلى معرفة. ومِثْلُهُ قَولُهُ تعالى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}⁣[الأعراف: ١٤٣]، ونحوه.

  و (الحَمْدُ): مُبتدأٌ، وخَبَرُهُ الجَارُ والمَجرُورُ الْمُقَدِّمُ عَلَيهِ، وإنما قُدمَ لِيُفيد الاختصاص، والمعنَى: الحَمدُ مُختَصُّ بِكَ دُون غَيركَ.

  ثُمَّ يقصد الانتِقَالَ عَن الاعتِدَالِ إلى أعظم التَّذَلَّلَ لِخَالِقِهِ، وَهُو وَضْعُ وَجهِهِ الَّذِي هو أَشْرَفُ جَسَدِهِ على الأرض إهَانَةٌ لَهُ في طَلَب رضا مولاهُ، فَإِذَا استَكمَلَ قصد