إعراب أذكار الصلاة المكتوبة وكشف أسرارها المحجوبة،

علي بن محمد البكري (المتوفى: 882 هـ)

[الكلام على أذكار الركوع والانتقال والسجود وإعرابها]

صفحة 98 - الجزء 1

  ذَلكَ كَبَّرَ فَقَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ)، أي: الإله الأعظمُ أكبرُ من كُلِّ مَا يَكبرُ قَدرُهُ فِي النّفوسِ، فَيَحقِّ لَهُ أَن أَهِينَ لَهُ أَشْرَفَ جَسَدِي بِوَضِعِهِ وتنكيس رأسي على الأرضِ، يَستكمل قصد ذلكَ كُلَّه قبلَ أَن يَهوِي لِلسّجُودِ، ثُمَّ يَسْجُدُ مُكَبِّرًا، مُمَكِّنَ جَبْهَتِهِ وَأَنفِهِ على الأرض، ثُمّ يقصد بتسبيحِهِ ما قَصَدَهُ في تَسبيح الرّكُوعِ، خَلا أَنَّهُ يَقُولُ هُنَا: (الأعلَى) مطابقة لانخفاضِهِ؛ لأنه قد انخَفَضَ اللهِ أبْلَغَ مَا يَمكِنه من الانخفاضِ، فَوَصِفَ اللَّهَ بأنه الأعلى، أي: الذي لا انخفَاضَ لِعَظَمَتِهِ، بل هي أعلى من كُلِّ عَالَ.

  و (أَعْلَى) أفعَلُ تَفضيل، مَستَعمَل هنا بالألف واللام، ولا يَظْهَرُ عَلَيْهِ الإعرابُ؛ لأنّ آخِرَهُ لا تَكُونُ إِلا سَاكِنَةٌ؛ لِعَدَم قَبُولِهَا الحَرَكاتِ.

  وإذا استكمل الثلاثَ كما فَعَلَ في الرُّكُوعِ نَوَى الاعْتِدَالَ امتثالاً فَكَبَّرَ لَهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ نَوَى تكرَارَ ذَلكَ الخُضُوع، الذي هُوَ أبْلَغُ التَّعَبُّدَات، فيُكَرّره لِكُونِهِ أَبْلَغَ مَا فِي وسعه من التَّذَلّلِ فَكَبَّرَ كَذَلِكَ، وفَعَلَ فِي سُجُودِهِ الثَّانِي كَما فَعَلَ فِي الْأَوَّلِ، ثُمَّ نَوَى الانتقال إلى القِيَامِ لِرَبِّ العالَمينَ فَكَبَّرَهُ، أي: هُوَ أَكبَرُ ما يَكبرُ فِي النُّفُوسِ فَيَحِقُ لَهُ التَّعَبُدُ بِالقِيَامِ لَهُ، وَإِعَادَةِ السُّجُودِ.

  ثُمَّ يَفْعَلُ فِي قِرَاءَتِهِ وَرُكُوعِهِ وسُجُودِهِ فِي الثَّانِيَةِ كما فَعَلَ فِي الأُولَى، من: نِيَّةٍ وذِكرِ وعَمَلِ وترتيل واسْتِحضَارِ لِلمعاني المَذْكُورَةِ، وَليَحذَرْ كُل الحَذَر أَن تَستَعجِلَهُ النَّفْسُ والشَّيطانُ فَيَصرفَاهُ عن استكمال الأذكار والأركَانِ على الوَجهِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ، فَيَفُوته رضا مَولاهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.