الكلام في ذكر ما في القرءان من الإخبار عن الغيوب
  وأيضا قد علمنا أن الدواعي إلى إيراد المعارضة لم تكن حبست عن المطامع، وكانت الصنعة أيضا في نفسها أقوالا في أمثلة العرب، ولم يكن يكمن فيها من الفساد ما يكمن الآن. وعلى استمرار الأزمان، ومضي الأعصار، تزداد الصنعة ضعفا، والدواعي قلة - لما تعذر وقوعه - فلما تعذر وقوعها فيما سلف من الزمان، كان وقوعها فيما بعد أيسر تعذرا.
  وأيضا ظاهر الخطاب هو لأهل ذلك العصر، وإن كنا قد عرفنا بدليل سوى الظاهر أن المراد به إلى آخر الدهر، وإذا لم تقع المعارضة من أهل ذلك العصر، وجب كون الخبر صدقا.
  ومن ذلك قوله ø: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٩٤ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[البقرة]، وقال أيضا في السورة التي يذكر فيها الجمعة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[الجمعة]، فأخبر أنهم لا يتمنون الموت أبدا.
  فوجد مخبَر الخبر على ما أخبر به، ولم يقل أحد منهم: إني أتمنى الموت. هذا مع ما كان عليه اليهود من شدة الحرص على تكذيبه، وإبطال دعواه، وتوهين أمره، حتى أنهم استهانوا بالموت، وما يجري من القتل الذريع عليهم، في جنب استمرارهم على معاداته، وتحققهم