الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 118 - الجزء 1

  قال الله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي}⁣[مريم: الآية ٥] بالجزم، فأما قراءة الرفع فقد حملها الزمخشري على الوصف، وقال السكاكي: الأولى حملها على الاستئناف دون الوصف؛ لهلاك يحيى قبل زكريا @، وأراد بالاستئناف أن يكون جواب سؤال مقدّر تضمنه ما قبله، فكأنه لما قال: فهب لي وليا، قيل: ما تصنع به؟ فقال: «يرثني» فلم يكن داخلا في المطلوب بالدعاء، وقولك: لا تشتم يكن خيرا لك، أي: إن لا تشتم.

  وأما العرض، كقولك لمن تراه لا ينزل: ألا تنزل تصب خيرا، أي: إن تنزل؛ فمولّد من الاستفهام، وليس به؛ لأن التقدير أنه لا ينزل، فالاستفهام عن عدم النزول طلب للحاصل، وهو محال.

  وتقدير الشرط في غير هذه المواضع لقرينة جائز أيضا، كقوله تعالى: {فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ}⁣[الشّورى: الآية ٩] أي: إن أرادوا وليا بالحق فالله هو الوليّ بالحق لا وليّ سواه، وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ}⁣[المؤمنون: الآية ٩١] أي: لو كان معه إله إذن لذهب.

  ومنها النداء، وقد تستعمل صيغته في غير معناه، كالإغراء في قولك لمن أقبل يتظلم: يا مظلوم، والاختصاص في قولهم: أنا أفعل كذا أيها الرجل، ونحن نفعل كذا أيّها القوم، واغفر اللهمّ لنا أيتها العصابة. أي: متخصصا من بين الرجال، ومتخصصين من بين الأقوام والعصائب.

  ثم الخبر يقع موقع الإنشاء، إما للتفاؤل، أو لإظهار الحرص في وقوعه كما مرّ، والدعاء بصيغة الماضي من البليغ يحتمل الوجهين، أو للاحتراز عن صورة الأمر، كقول العبد للمولى إذا حوّل عنه وجهه: ينظر المولى إليّ ساعة، أو لحمل المخاطب على المطلوب، بأن يكون المخاطب ممّن لا يحبّ أن يكذّب الطالب، أو لنحو ذلك.

  تنبيه: ما ذكرناه في الأبواب الخمسة السابقة ليس كله مختصا بالخبر، بل كثير منه حكم الإنشاء فيه حكم الخبر، يظهر ذلك بأدنى تأمّل، فليعتبره الناظر.

القول في الوصل والفصل

  الوصل عطف بعض الجمل على بعض، والفصل تركه.

  وتمييز موضع أحدهما من موضع الآخر على ما تقتضيه البلاغة فنّ منها عظيم الخطر، صعب المسلك، دقيق المأخذ، لا يعرفه على وجهه، ولا يحيط علما بكنه: إلا من أوتي فهم كلام العرب طبعا سليما، ورزق في إدراك أسراره ذوقا صحيحا، ولهذا