الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 121 - الجزء 1

  أما قول اليزيدي:

  ملّكته حبلي، ولكنّه ... ألقاه من زهد على غاربي⁣(⁣١)

  وقال: إنّي في الهوى كاذب ... انتقم الله من الكاذب

  فعدّه السكاكي | من هذا الضرب، وحمله الشيخ عبد القاهر | على الاستئناف بتقدير «قلت».

  الثاني: أن لا يكون بين الجملتين جامع كما سيأتي.

  وأما كمال الاتصال فيكون لأمور ثلاثة:

  الأول: أن تكون الثانية مؤكّدة للأولى، والمقتضي للتأكيد دفع توهّم التجوّز والغلط، وهو قسمان:

  أحدهما: أن تنزّل الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير مع الاختلاف في المعنى، كقوله تعالى: {الم ١ ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٢}⁣[البقرة: الآيتان ١، ٢] فإنّ وزان «لا ريب فيه» في الآية وزان «نفسه» في قولك: «جاءني الخليفة نفسه» فإنه لما بولغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى من الكمال، بجعل المبتدأ «ذلك» وتعريف الخبر باللام؛ كان عند السامع قبل أن يتأمله مظنّة أنه مما يرمى به جزافا من غير تحقّق، فأتبع «لا ريب فيه» نفيا لذلك، إتباع «الخليفة نفسه» إزالة لما عسى أن يتوهّم السامع أنك في قولك: «جاءني الخليفة» متجوّز أو ساه.

  وكذا قوله: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}⁣[لقمان: الآية ٧] الثاني مقرّر لما أفاده الأول.

  وكذا قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ}⁣[البقرة: الآية ١٤] لأن قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ}⁣[البقرة: الآية ١٤] معناه الثبات على اليهودية، وقوله: {إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ}⁣[البقرة: الآية ١٤] ردّ للإسلام، ودفع له منهم؛ لأن المستهزئ بالشيء المستخفّ به منكر له، ودافع له لكونه غير معتدّ به، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته، ويحتمل الاستئناف، أي: فما بالكم - إن صحّ أنكم معنا - توافقون أصحاب محمد (÷)؟.

  وثانيهما: أن تنزّل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي من متبوعه في اتحاد المعنى، كقوله تعالى:

  {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ٢}⁣[البقرة: الآية ٢] فإن {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}⁣[البقرة: الآية ٢] معناه: أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كنهها، حتى


(١) البيتان من السريع، ولم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.