الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الوصل والفصل

صفحة 130 - الجزء 1

  وذلك بنزول المطر؛ فيكثر تقلّب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يؤويهم، وحصن يتحصّنون به، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم لتعذّر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها؛ فإذا فتش البدويّ في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور، بخلاف الحضريّ، فإذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرنا ظنّ النّسق لجهله معيبا.

  ومن محسّنات الوصل تناسب الجملتين، في الاسميّة والفعلية وفي المضيّ والمضارعة، إلّا لمانع، كما إذا أريد بإحداهما التجدّد وبالأخرى الثبوت، كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين، ثم قام زيد دون عمرو، وقلت: «قام زيد، وعمرو قاعد» كما سبق.

  ومما يتصل بهذا الباب القول في الجملة إذا وقعت حالا متنقلة، فإنها تجيء تارة بالواو، وتارة بغير الواو؛ فنقول:

  أصل الحال المنتقلة أن تكون بغير واو، لوجوه:

  الأول: أنّ إعرابها ليس بتبع، وما ليس إعرابه بتبع لا يدخله الواو، وهذه الواو وإن كانت تسمّى واو الحال: فإن أصلها العطف.

  الثاني: أن الحال في المعنى حكم على ذي الحال، كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ، إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم به يحصل بالأصالة، لا في ضمن شيء آخر، والحكم بها إنما يحصل في ضمن غيرها؛ فإن الركوب مثلا في قولنا: «جاء زيد راكبا» محكوم به على زيد لكن لا بالأصالة، بل بالتبعية، بأن وصل بالمجيء وجعل قيدا له، بخلافه في قولنا: زيد راكب.

  الثالث: أنها في الحقيقة وصف لذي الحال؛ فلا يدخلها الواو كالنّعت.

  فثبت أن أصلها أن تكون بغير واو، لكن خولف الأصل فيها إذا كانت جملة؛ لأنها - بالنظر إليها من حيث هي جملة - مستقلّة بالإفادة؛ فتحتاج إلى ما يربطها بما جعلت حالا عنه.

  وكلّ واحد من الضمير والواو صالح للرّبط، والأصل الضمير، بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة، والخبر، والنعت.

  وإذا تمهّد هذا فنقول:

  الجملة التي تقع حالا ضربان: خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه، وغير خالية.

  أما الأولى فيجب أن تكون بالواو؛ لئلا تصير منقطعة عنه، غير مرتبطة به.