القول في الوصل والفصل
  فإنه لو لا دخول «كأن» عليه لم يحسن الكلام إلا بالواو، كقولك: عسى أن تبصريني وبنيّ حواليّ الأسود.
  ثم قال: وشبيه بهذا أن تقع حالا بعقب مفرد، فيلطف مكانها، بخلاف ما لو أفردت، كقول ابن الرومي: [علي بن العباس]
  والله يبقيك لنا سالما ... برداك تبجيل وتعظيم(١)
  فإنه لو قال: «والله يبقيك لنا برداك تبجيل (وتعظيم)» لم يحسن.
  هذا كله إذا لم يكن صاحبها نكرة مقدّمة عليها، فإن كان كذلك نحو: «جاءني رجل وعلى كتفه سيف» وجب الواو؛ لئلّا تشبه بالنعت.
  وأما نحو قوله تعالى: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ٤}[الحجر: الآية ٤] فقال السكاكي: الوجه فيه عندي هو أن {وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ}[الحجر: الآية ٤] حال للقرية؛ لكونها في حكم الموصوفة، نازلة منزلة «وما أهلكنا قرية من القرى» لا وصف، وحمله على الوصف سهو، لا خطأ، ولا عيب في السهو للإنسان، ولا ذمّ، والسهو ما يتنبّه له صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ ما لا يتنبه له صاحبه، أو يتنبه ولكن بعد إتعاب.
  وكأنه عرّض بالزمخشري حيث قال في تفسيره: «لها كتاب» جملة واقعة صفة لـ «قرية» والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما، كما في قوله تعالى: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ٢٠٨}[الشّعراء: الآية ٢٠٨] وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف، كما يقال في الحال «جاءني زيد عليه ثوب» و «جاءني زيد وعليه ثوب».
  ثم قال السكاكي: من عرف السبب في تقديم الحال إذا أريد إيقاعها عن النكرة تنبّه لجواز إيقاعها عن النكرة مع الواو، في مثل: «جاءني رجل وعلى كتفه سيف» ولمزيد جوازه في قوله عزّ اسمه: {وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ٤}[الحجر: الآية ٤] على ما قدمت.
  واعلم أن السكاكي بنى كلامه في الجملة الواقعة حالا على أصول مضطربة لا يخفى حالها على الفطن لا سيما إذا أحاط علما بما ذكرناه، وأتقنه، فآثرنا الإعراض عن نقل كلامه، والتعرّض لما فيه من الخلل؛ لئلّا يطول الكتاب من غير طائل.
= لعلك يوما أن تريني كأنما
والبيت من الطويل، وهو للفرزدق في ديوانه ١/ ١٤٦ (وفيه «اللوابد» بدل «الحوارد»)، ومجمل اللغة ٢/ ٥٦، وأساس البلاغة (حرد)، والحيوان ٣/ ٩٧، ومعاهد التنصيص ١/ ٣٠٤، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٥٠١، ومقاييس اللغة ٢/ ٥٢.
(١) البيت من السريع، وهو في دلائل الإعجاز ص ٢١٢.