الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثالث الإطناب

صفحة 162 - الجزء 1

  مَآرِبُ أُخْرى}⁣[طه: الآية ١٨] وحسّنه أنه # فهم أن السؤال يعقبه أمر عظيم يحدثه الله تعالى في العصا؛ فينبغي أن يتنبه لصفاتها؛ حتى يظهر له التفاوت بين الحالين.

  وكذا قوله: {نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ}⁣[الشّعراء: الآية ٧١] وحسّنه إظهار الابتهاج بعبادتها، والافتخار بمواظبتها، ليزداد غيظ السائل.

  واعلم أنه قد يوصف الكلام بالإيجاز والإطناب باعتبار كثرة حروفه وقلّتها بالنسبة إلى كلام آخر مساو له في أصل المعنى، كالشطر الأول من قول أبي تمام:

  يصدّ عن الدّنيا إذا عنّ سودد ... ولو برزت في زيّ عذراء ناهد⁣(⁣١)

  وقول الآخر: [المعذل بن عيلان]

  ولست بنظّار إلى جانب الغنى ... إذا كانت العلياء في جانب الفقر⁣(⁣٢)

  ومنه قول الشماخ: [بن ضرار الغطفاني]

  إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين⁣(⁣٣)

  وقول بشر بن أبي خازم:

  إذا ما المكرمات رفعن يوما ... وقصّر مبتغوها عن مداها⁣(⁣٤)

  وضاقت أذرع المثرين عنها ... سما أوس إليها، فاحتواها

  ويقرب من هذا الباب قوله تعالى: {لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ٢٣}⁣[الأنبياء: الآية ٢٣]

  وقول الحماسي: [السموأل بن عادياء]

  وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول⁣(⁣٥)

  وكذا ما ورد في الحديث: «الحزم سوء الظّنّ»، وقول العرب: الثّقة بكلّ أحد عجز.


(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان أبي تمام ص ١٢٢، وشرح عقود الجمان ١/ ٢١٨.

(٢) البيت من الطويل، وهو لأبي الحسن الكاتب في شرح عقود الجمان ١/ ٢١٨، وينسب أيضا لأبي سعيد المخزومي، وللمعذل بن غيلان.

(٣) البيت من الوافر، وهو للشماخ في ديوانه ص ٣٣٦، ولسان العرب (عرب)، (يمن)، وتهذيب اللغة ٨/ ٢٢١، ١٥/ ٥٢٣، وجمهرة اللغة ص ٣١٩، ٩٩٤، وتاج العروس (عرب)، ومقاييس اللغة ٦/ ١٥٨.

(٤) البيتان من الوافر، وهما لبشر بن أبي خازم في ديوانه ص ٢٢٢، وأساس البلاغة (رفع).

(٥) البيت من الطويل، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٠٦.