الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القسم الثالث الإطناب

صفحة 161 - الجزء 1

  ما يخالف المقصود، وهؤلاء فرقتان:

  فرقة لا تشترط فيه أن يكون واقعا في أثناء كلام، أو بين كلامين متّصلين معنى. بل يجوّز أن يقع في آخر كلام لا يليه كلام، أو يليه غير متّصل به معنى، وبهذا يشعر كلام الزمخشري في مواضع من الكشّاف، فالاعتراض عند هؤلاء يشمل التذييل، ومن التكميل ما لا محلّ له من الإعراب، جملة كان أو أكثر من جملة.

  وفرقة تشترط فيه ذلك، لكن لا تشترط أن يكون جملة أو أكثر من جملة.

  فالاعتراض عند هؤلاء يشمل من التتميم ما كان واقعا في أحد الموقعين، ومن التكميل ما كان واقعا في أحدهما ولا محل له من الإعراب، جملة كان أو أقلّ من جملة أو أكثر.

  وإما بغير ذلك، كقولهم: «رأيته بعيني».

  ومنه قوله تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}⁣[النّور: الآية ١٥] أي: هذا الإفك ليس إلّا قولا يجري على ألسنتكم، ويدور في أفواهكم، من غير ترجمة عن علم في القلب، كما هو شأن المعلوم إذا ترجم عنه اللسان.

  وكذا قوله: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ}⁣[البقرة: الآية ١٩٦] لإزالة توهّم الإباحة، كما في نحو قولنا: «جالس الحسن وابن سيرين» وليعلم العدد جملة كما علم تفصيلا؛ ليحاط به من جهتين، فيتأكد العلم، وفي أمثال العرب: «علمان خير من علم».

  وكذا قوله {كامِلَةٌ}⁣[البقرة: الآية ١٩٦] تأكيد آخر، وقيل: أي كاملة في وقوعها بدلا من الهدي، وقيل: أريد به تأكيد الكيفية لا الكمية، حتى لو وقع صوم العشرة على غير الوجه المذكور لم تكن كاملة.

  وكذا قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}⁣[غافر: الآية ٧] فإنه لو لم يقصد الإطناب لم يذكر «ويؤمنون به» لأن إيمانهم ليس مما ينكره أحد من مثبتيهم، وحسّن ذكره إظهار شرف الإيمان ترغيبا فيه.

  وكذلك قوله: {إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ١}⁣[المنافقون: الآية ١] فإنه لو اختصر لترك قوله: {وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}⁣[المنافقون: الآية ١] لأن مساق الآية لتكذيبهم في دعوى الإخلاص في الشهادة كما مر. وحسّنه دفع توهم أن التكذيب للمشهود به في نفس الأمر، ونحو قول البلغاء: «لا، وأصلحك الله».

  وكذا قوله تعالى إخبارا: {هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها