الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الاستعارة

صفحة 230 - الجزء 1

  ومن هذا الفن ما سبق من التعجب والنهي عنه، غير أن مذهب التعجب على عكس مذهب النهي عنه؛ فإن مذهب التعجب إثبات وصف ممتنع ثبوته للمستعار منه، ومذهب النهي عنه إثبات خاصة من خواصّ المستعار منه.

  وإذا جاز البناء على المشبه به مع الاعتراف بالمشبه، كما في قول العباس بن الأحنف:

  هي الشمس مسكنها في السماء ... فعزّ الفؤاد عزاء جميلا⁣(⁣١)

  فلن تستطيع إليها الصّعود ... ولن تستطيع إليك النزولا

  وقول سعيد بن حميد:

  قلت: زوري؛ فأرسلت: ... أنا آتيك سحره⁣(⁣٢)

  قلت: فالليل كان أخ ... فى وأدنى مسرّه

  فأجابت بحجّة ... زادت القلب حسره

  أنا شمس، وإنما ... تطلع الشمس بكره

  فلأن يجوز مع جحده في الاستعارة أولى.

  ومن هذا الباب قول الفرزدق:

  أبي أحمد الغيثين صعصعة الذي ... متى تخلف الجوزاء والدّلو يمطر⁣(⁣٣)

  أجار بنات الوائدين، ومن يجر ... على الموت، فاعلم أنه غير مخفر

  ادّعى لأبيه اسم الغيث، ادّعاء من سلّم له ذلك، ومن لا يخطر بباله أنه متناول له من طريق التشبيه.

  وكذلك قول عدي بن الرقاع يصف حمارين وحشيين:

  يتعاوران من الغبار ملاءة ... بيضاء محكمة هما نسجاها⁣(⁣٤)

  تطوى إذا وردا مكانا محزنا ... وإذا السنابك أسهلت نشراها


(١) البيتان من المتقارب، وهما في ديوان العباس بن الأحنف ص ٢٢١، وأسرار البلاغة ص ٣٤٩، والإشارات والتنبيهات ص ٢٠٣.

(٢) الأبيات من مجزوء الخفيف، وهي في أسرار البلاغة ص ٣٥٨، ومفتاح العلوم ص ١٦٤، والإشارات والتنبيهات ص ٢٠٣.

(٣) البيتان من الطويل، وهما في ديوان الفرزدق ص ٤٨٢.

(٤) البيتان من الكامل، وهما في ديوان عدي بن الرقاع ص ٥٠، وأساس البلاغة (جسأ)، والطرائف الأدبية ص ٩٦.