المجاز المركب
  ألم تك في يمنى يديك جعلتني؟ ... فلا تجعلنّي بعدها في شمالكا(١)
  أي: كنت مكرما عندك؛ فلا تجعلني مهانا، وكنت في المكان الشريف منك، فلا تحطّني في المنزل الوضيع.
  وكذا إذا قلت للمخلوق: «والأمر بيدك» أردت المثل، أي: الأمر كالشيء يحصل في يدك؛ فلا يمتنع عليك.
  وكذا قوله تعالى: {وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ}[الأعراف: الآية ١٥٤] قال الزمخشري: كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: «قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجرّ برأس أخيل إليك» فترك النطق بذلك، وقطع الإغراء، ولم يستحسن هذه الكلمة، ولم يستفصحها كل ذي طبع سليم، وذوق صحيح إلا لذلك، ولأنه من قبيل شعب البلاغة، وإلا فما لقراءة معاوية بن قرّة: «ولما سكن عن موسى الغضب» لا تجد النفس عندها شيئا من تلك الهزّة وطرفا من تلك الروعة.
  وأما قولهم: «اعتصمت بحبله» فقال الزمخشري أيضا يجوز أن يكون تمثيلا لاستظهاره به، ووثوقه بحمايته، باستمساك المتدلي من مكان مرتفع، بحبل وثيق يأمن انقطاعه، وأن يكون الحبل استعارة لعهده، والاعتصام لوثوقه بالعهد أو ترشيحا لاستعارة الحبل بما يناسبه.
  وكذلك قول الشماخ:
  إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقّاها عرابة باليمين(٢)
  الشبه فيه مأخوذ من مجموع التلقّي واليمين، على حد قولهم: تلقّيته بكلتا اليدين؛ ولهذا لا تصلح حيث يقصد التجوز فيها وحدها، فلا يقال: «هو عظيم اليمين» بمعنى «عظيم القدرة» ولا «عرفت يمينك على هذا» بمعنى «عرفت قدرتك عليه».
  ومثله قول الآخر: [الأعور الشني]
  هوّن عليكم؛ فإن الأمور ... بكفّ الإله مقاديرها(٣)
(١) البيت من الكامل، وهو في كتاب الصناعتين ص ٣٤٦.
(٢) البيت من الوافر، وهو للشماخ في ديوانه ص ٣٣٦، ولسان العرب (عرب)، (يمن)، وتهذيب اللغة ٨/ ٢٢١، ١٥/ ٥٢٣، وجمهرة اللغة ص ٣١٩، ٩٩٤، وتاج العروس (عرب)، ومقاييس اللغة ٦/ ١٥٨.
(٣) البيت من المتقارب، وهو للأعور الشني في الدرر ٤/ ١٣٩، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣٣٨، وشرح شواهد المغني ١/ ٤٢٧، ٢/ ٨٧٤، والكتاب ١/ ٦٤، ولبشر بن أبي خازم في العقد الفريد ٣/ ٢٠٧، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧/ ٦٢، وأمالي ابن الحاجب ٢ / =