الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

المجاز المركب

صفحة 233 - الجزء 1

  وكذا ما روى أبو هريرة عن النبي ÷ أنه قال: «إن أحدكم إذا تصدق بالتمر من الطيّب - ولا يقبل الله إلا الطّيب - جعل الله ذلك في كفه، فيربّيها كما يربّي أحدكم فلوه، حتى يبلغ بالتمرة مثل أحد»⁣(⁣١) والمعنى فيهما على انتزاع الشبه من المجموع.

  وكل هذا يسمى التمثيل على سبيل الاستعارة، وقد يسمى التمثيل مطلقا، ومتى فشا استعماله كذلك سمّي مثلا؛ ولذلك لا تغيّر الأمثال.

  ومما يبنى على التمثيل نحو قوله تعالى: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ}⁣[ق: الآية ٣٧] معناه: لمن كان له قلب ناظر فيما ينبغي أن ينظر فيه، واع لما يجب وعيه، ولكن عدل عن هذه العبارة ونحوها إلى ما عليه التلاوة بقصد البناء على التمثيل؛ ليفيد ضربا من التخييل؛ وذلك إنه لما كان الإنسان حين لا ينتفع بقلبه؛ فلا ينظر فيما ينبغي أن ينظر فيه، ولا يفهم، ولا يعي، جعل كأنه قد عدم القلب جملة، كما جعل من لا ينتفع بسمعه وبصره، فلا يفكر فيما يؤديان إليه بمنزلة العادم لهما، ولزم على هذا أن لا يقال: «فلان له قلب» إلا إذا كان ينتفع بقلبه، فينظر فيما ينبغي أن ينظر فيه ويعي ما يجب وعيه، فكان في قوله تعالى: {لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ}⁣[ق: الآية ٣٧] تخييل أن من لم ينتفع بقلبه كالعادم للقلب جملة، بخلاف نحو قولنا: لمن كان له قلب ناظر فيما ينبغي أن ينظر فيه، واع لما يجب وعيه.

  وفي نظم الآية فائدة أخرى شريفة، وهي تقليل اللفظ مع تكثير المعنى.

  ونقل الشيخ عبد القاهر عن بعض المفسرين أنه قال: المراد بالقلب العقل، ثم شدّد عليه النكير في هذا التفسير، وقال: وإن كان المرجع فيما ذكرناه عند التحصيل إلى ما ذكره، ولكن ذهب عليه أن الكلام مبنيّ على تخييل أن من لا ينتفع بقلبه - فلا ينظر، ولا يعي - بمنزلة من عدم قلبه جملة، كما تقول في قول الرجل إذا قال: «قد غاب عني قلبي» أو «ليس يحضرني قلبي» إنه يريد أن يخيّل إلى السامع أنه غاب عنه قلبه بجملته، دون أن يريد الإخبار أن عقله لم يكن هناك، وإن كان المرجع عند التحصيل إلى ذلك، وكذا إذا قال: «لم أكن ها هنا» يريد غفلته عن الشيء؛ فهو يضع كلامه على التخييل.


= ٦٧٩، والجنى الداني ص ٤٧١، وخزانة الأدب ١٠/ ١٤٨، ومغني اللبيب ١/ ١٤٦، والمقتضب ٤/ ١٩٦، ٢٠٠، وهمع الهوامع ٢/ ٢٩.

(١) الحديث أخرجه البخاري في الزكاة باب ٨، والتوحيد باب ٢٣، ومسلم في الزكاة حديث ٦٣، ٦٤، والترمذي في الزكاة باب ٢٨، والنسائي في الزكاة باب ٤٨، وابن ماجة في الزكاة باب ٢٨، والدارمي في الزكاة باب ٣٤، ومالك في الصدقة حديث ١، وأحمد في المسند ٢/ ٣٣١، ٣٨٢، ٤١٨، ٤١٩، ٤٣١، ٤٧١، ٥٣٨، ٥٤١، ٦/ ٢٥١.