الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

فصل في بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية

صفحة 235 - الجزء 1

  إثباتها مشرّفة، كما جعل للشّمال يدا، ليكون أبلغ في تصييرها متصرّفة، فوفّى المبالغة حقّها من الطرفين؛ فالضمير في «أصبحت» و «زمامها» للقرّة، وهو قول الزمخشري. والشيخ عبد القاهر جعله للغداة، والأول أظهر.

  واعلم أن الأمر المختص بالمشبه به المثبت للمشبه، منه ما لا يكمل وجه الشبه في المشبه به بدونه، كما في قول أبي ذؤيب الهذلي: [خويلد بن خالد]

  وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع⁣(⁣١)

  فإنه شبه المنية بالسبع، في اغتيال النفوس بالقهر والغلبة من غير تفرقة بين نفّاع وضرّار، ولا رقّة لمرحوم، ولا بقيا على ذي فضيلة؛ فأثبت للمنية الأظفار التي لا يكمل ذلك في السبع بدونها؛ تحقيقا للمبالغة في التشبيه.

  ومنه ما به يكون قوام وجه الشبه في المشبه به، كما في قول الآخر:

  ولئن نطقت بشكر برّك مفصحا ... فلسان حالي بالشّكاية أنطق⁣(⁣٢)

  فإنه شبه الحال الدالة على المقصود بالإنسان متكلّم في الدلالة؛ فأثبت لها اللسان الذي به قوام الدلالة في الإنسان.

  وأما قول زهير:

  صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله ... وعرّي أفراس الصّبا ورواحله⁣(⁣٣)

  فيحتمل أن يكون استعارة تخييلية، وأن يكون استعارة تحقيقية.

  أما التخييل فأن يكون أراد أن يبيّن أنه ترك ما كان يرتكبه أوان المحبة من الجهل والغيّ وأعرض عن معاودته، فتعطّلت آلاته كأيّ أمر وطّنت النفس على تركه، فإنه تهمل آلاته فتتعطّل؛ فشبه الصبا بجهة من جهات المسير - كالحج والتجارة - قضي منها الوطر، فأهملت آلاتها، فتعطلت؛ فأثبت له الأفراس والرواحل؛ فالصبا على هذا من الصّبوة بمعنى الميل إلى الجهل والفتوّة لا بمعنى الفتاء.


(١) البيت من الكامل، وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٨، وتهذيب اللغة ١١/ ٣٨٠، وسمط اللآلي ص ٨٨٨، وأمالي القالي ٢/ ٢٥٥، وكتاب الصناعتين ص ٢٨٤، وللهذلي في لسان العرب (تمم)، وبلا نسبة في تاج العروس (نشب)، (تمم)، والعقد الفريد ٥/ ٢٤.

(٢) البيت من الطويل، وهو لمحمد بن عبد الله العتبي أو لأبي النضر بن عبد الجبار في يتيمة الدهر للثعالبي ٤/ ٤٠٤.

(٣) البيت من الطويل، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ١٢٤، ولسان العرب (أجل)، (رحل)، وبلا نسبة في كتاب العين ٣/ ٢٦٨، وتاج العروس (صحا).