الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

فصل في بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييلية

صفحة 234 - الجزء 1

  هذا معنى كلام الشيخ، وهو حق، لأن المراد بالآية الحثّ على النظر، والتقريع على تركه، فإن أراد هذا المفسّر بتفسيره أن المعنى لمن كان له عقل مطلقا فهو ظاهر الفساد، وإن أراد أن المعنى لمن كان له عقل ينتفع به ويعمله فيما خلق له من النظر فتفسير القلب بالعقل، ثم تقييد العقل بما قيّده، عري عن الفائدة؛ لصحة وصف القلب بذلك، بدليل قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها}⁣[الأعراف: الآية ١٧٩].

  واعلم أن المثل السائر لما كان فيه غرابة، استعير لفظة «المثل» للحال، أو الصفة، أو القصة، إذا كان لها شأن وفيها غرابة.

  وهو في القرآن كثير، كقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً}⁣[البقرة: الآية ١٧] أي: حالهم العجيب الشأن كحال الذي استوقد نارا، وكقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى}⁣[النّحل: الآية ٦٠] أي: الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة، وقوله تعالى: {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ}⁣[الفتح: الآية ٢٩] أي صفتهم وشأنهم المتعجب منه، وكقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ}⁣[محمّد: الآية ١٥] أي: فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة، ثم أخذ في بيان عجائبها، إلى غير ذلك.

فصل في بيان الاستعارة بالكناية والاستعارة التخييليّة

  قد يضمر التشبيه في النفس فلا يصرّح بشيء من أركانه سوى لفظ المشبه، ويدل عليه بأن يثبت للمشبه أمر مختص بالمشبه به، من غير أن يكون هناك أمر ثابت حسّا أو عقلا أجري عليه اسم ذلك الأمر؛ فيسمى التشبيه استعارة بالكناية، أو مكنيّا عنها، وإثبات ذلك الأمر للمشبه استعارة تخييلية، والعلم في ذلك قول لبيد: [بن ربيعة]

  وغداة ريح قد كشفت وقرّة ... إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها⁣(⁣١)

  فإنه جعل للشّمال يدا، ومعلوم أنه ليس هناك أمر ثابت حسا أو عقلا تجري اليد عليه، كإجراء الأسد على الرجل الشجاع، والصراط على ملّة الإسلام فيما سبق، ولكن لما شبّه الشمال - لتصريفها القرّة على حكم طبيعتها في التصريف - بالإنسان المصرّف لما زمامه بيده، أثبت لها يدا على سبيل التخييل؛ مبالغة في تشبيهها به، وحكم الزمام - في استعارته للقرّة - حكم اليد في استعارتها للشّمال، فجعل للقرّة زماما؛ ليكون أتمّ في


(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان لبيد ص ٣١٥، وأساس البلاغة (بدي)، ورواية صدر البيت في الديوان:

وغداة ريح قد وزعت ومرّة