فصل في آراء للسكاكي في الحقيقة والمجاز
  استعمال اللفظ فيما وضع له في غير اصطلاح التخاطب إنما يكون بتأويل في وضعه؛ لأن التأويل في الوضع يكون في الاستعارة على أحد القولين، دون سائر أقسام المجاز، ولذلك قال: وإنما ذكرت هذا القيد ليحترز به عن الاستعارة.
  ثم تعريفه للمجاز يدخل فيه الغلط كما تقدم.
  ومنها: أنه قسم المجاز إلى الاستعارة وغيرها، وعرف الاستعارة بأن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدّعيا دخول المشبه في جنس المشبه به، وقسم الاستعارة إلى المصرّح بها، والمكنيّ عنها، وعنى بالمصرّح بها أن يكون المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه به؛ وجعلها ثلاثة أضرب: تحقيقية، وتخييلية، ومحتملة للتحقيق والتخييل، وفسر التحقيقية بما بمر، وعد التمثيل على سبيل الاستعارة منها.
  وفيه نظر؛ لأن التمثيل على سبيل الاستعارة لا يكون إلا مركبا كما سبق، فكيف يكون قسما من المجاز المفرد؟! ولو لم يقيد الاستعارة بالإفراد. وعرفها بالمجاز الذي أريد به ما شبّه بمعناه الأصلي مبالغة في التشبيه؛ دخل كل من التحقيقية والتمثيل في تعريف الاستعارة.
  ومنها: أنه فسر التخييلية بما استعمل في صورة وهمية محضة قدّرت مشابهة لصورة محققة هي معناه، كلفظ الأظفار في قول الهذلي؛ فإنه لما شبه المنية بالسبع في الاغتيال على ما تقدم أخذ الوهم في تصويرها بصورته، واختراع مثل ما يلائم صورته، ويتم به شكله لها، من الهيئات والجوارح، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتياله للنفوس به، فاخترع للمنية صورة مشابهة لصورة الأظفار المحققة، فأطلق عليها اسمها.
  وفيه نظر؛ لأن تفسير التخييلية بما ذكره بعيد؛ لما فيه من التعسّف، وأيضا فظاهر تفسير غيره لها - بقولهم: جعل الشيء للشيء كجعل لبيد للشّمال يدا - يخالفه، لاقتضاء تفسيره أن يجعل للشمال صورة متوهّمة مثل صورة اليد، لا أن يجعل لها يدا، فإطلاق اسم اليد على تفسيره استعارة، وعلى تفسير غيره حقيقة، والاستعارة إثباتها للشّمال كما قلنا في المجاز العقلي الذي فيه المسند حقيقة لغوية.
  وأيضا فيلزمه أن يقول بمثل ذلك - أعني بإثبات صورة متوهمة - في ترشيح الاستعارة؛ لأن كل واحد من التخييلية والترشيح فيه إثبات بعض لوازم المشبه به المختصة به للمشبه، غير أن التعبير عن المشبه في التخييلية بلفظه الموضوع له، وفي الترشيح بغير لفظه، وهذا لا يفيد فرقا، والقول بهذا يقتضي أن يكون الترشيح ضربا من التخييلية، وليس كذلك.