الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

فصل في آراء للسكاكي في الحقيقة والمجاز

صفحة 238 - الجزء 1

  وأيضا فتفسيره للتخييلية أعمّ من أن تكون تابعة للاستعارة بالكناية - كما في بيت الهذلي - أي غير تابعة بأن يتخيل ابتداء صورة وهميّة مشابهة لصورة محققة؛ فيستعار لها اسم الصورة المحققة، والثانية بعيدة جدا، ويدل على إرادته دخول الثانية في تفسير التخييلية أنه قال: حسنها بحسب حسن المكنيّ عنها متى كانت تابعة لها، كما في قولك: فلان بين أنياب المنية ومخالبها، وقلما تحسن الحسن البليغ غير تابعة لها؛ ولذلك استهجنت في قول الطائيّ: [أبو تمام]

  لا تسقني ماء الملام، فإنني ... صبّ قد استعذبت ماء بكائي⁣(⁣١)

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يريد بغير التابعة للمكنّي عنها التابعة لغير المكنى عنها؟

  قلنا: غير المكني عنها هي المصرّح بها؛ فتكون التابعة لها ترشيح الاستعارة، وهو من أحسن وجوه البلاغة، فكيف يصح استهجانه؟

  وأما قول أبي تمام فليس له فيه دليل؛ لجواز أن يكون أبو تمام شبّه الملام بظرف الشراب؛ لاشتماله على ما يكرهه الملوم، كما أن الظرف قد يشتمل على ما يكرهه الشارب؛ لبشاعته أو مرارته؛ فتكون التخييلية في قوله تابعة للمكنى عنها، أو بالماء نفسه؛ لأن اللوم قد يسكن حرارة الغرام، كما أن الماء يسكن غليل الأورام؛ فيكون تشبيها على حدّ «لجين الماء» فيما مر، لا استعارة، والاستهجان على الوجهين لأنه كان ينبغي له أن يشبّهه بظرف شراب مكروه، أو بشراب مكروه، ولهذا لم يستهجن نحو قولهم: «أغلظت لفلان القول» و «جرّعته منه كأسا مرّة» أو «سقيته أمرّ من العلقم».

  ومنها: أنه عنى بالاستعارة المكنى عنها أن يكون المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه، على أن المراد بالمنية - في قول الهذلي - السبع بادّعاء السبعيّة لها، وإنكار أن تكون شيئا غير السبع بقرينة إضافة الأظفار إليها.

  وفيه نظر؛ للقطع بأن المراد بالمنية في البيت هو الموت لا الحيوان المفترس، فهو مستعمل فيما هو موضوع له على التحقيق، وكذا كل ما هو نحوه، ولا شيء من الاستعارات مستعملا كذلك.

  وأما ما ذكره في تفسير قوله: من أنا ندّعي هاهنا أن اسم المنيّة اسم للسبع مرادف للفظ السبع بارتكاب تأويل - وهو: أن تدخل المنيّة في جنس السبع للمبالغة في التشبيه - ثم نذهب على سبيل التخييل إلى أن الواضع كيف يصح منه أن يضع اسمين لحقيقة


(١) البيت لأبي تمام في ديوانه ص ١٤، والمصباح ص ١٤٢، ومفتاح العلوم ص ٤٩٨، ونهاية الإيجاز ص ٢٥٤.