فصل المجاز بالحذف والزيادة
  فالفرق بينها وبين المجاز من هذا الوجه، أي من جهة إرادة المعنى مع إرادة لازمه، فإن المجاز ينافي ذلك، فلا يصح في نحو قولك: «في الحمام أسد» أن تريد معنى الأسد من غير تأوّل؛ لأن المجاز ملزوم قرينة معاندة لإرادة الحقيقة كما عرفت، وملزوم معاند الشيء معاند لذلك الشيء.
  وفرق السكاكي وغيره بينهما بوجه آخر أيضا، وهو أن مبنى الكناية على الانتقال من اللازم إلى الملزوم، ومبني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم.
  وفيه نظر؛ لأن اللازم ما لم يكن ملزوما يمتنع أن ينتقل منه إلى الملزوم؛ فيكون الانتقال حينئذ من الملزوم إلى اللازم.
  ولو قيل: اللزوم من الطرفين من خواصّ الكناية دون المجاز، أو شرط لها دونه، اندفع هذا الاعتراض، لكن اتجه منع الاختصاص والاشتراط.
  ثم الكناية ثلاثة أقسام؛ لأن المطلوب بها إما غير صفة ولا نسبة، أو صفة، أو نسبة.
  والمراد الصفة المعنوية، كالجود، والكرم، والشجاعة، وأمثالها، لا النعت.
  الأولى: المطلوب بها غير صفة ولا نسبة، فمنها ما هو معنى واحد كقولنا:
  «المضياف» كناية عن زيد، ومنه قوله كناية عن القلب: [عمرو بن معديكرب]
  الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان(١)
  ونحوه قول البحتري في قصيدته التي يذكر فيها قتله الذئب:
  فأتبعتها أخرى، فأضللت نصلها ... بحيث يكون اللب والرّعب والحقد(٢)
  فقوله: «بحيث يكون اللب، والرعب، والحقد» ثلاث كنايات لا كناية واحدة، لاستقلال كل واحد منها بإفادة المقصود.
  ومنها ما هو مجموع معان، كقولنا كناية عن الإنسان: «حيّ مستوي القامة عريض الأظفار».
  وشرط كل واحدة منهما أن تكون مختصة بالمكنى عنه لا تتعداه؛ ليحصل الانتقال منها إليه.
  وجعل السكاكي الأولى قريبة، والثانية بعيدة، وفيه نظر.
(١) البيت من الكامل، وهو في ديوان عمرو بن معديكرب ص ١٦٢.
(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان البحتري ٢/ ٧٤٤.