الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الكناية

صفحة 243 - الجزء 1

  الثانية: المطلوب بها صفة، وهي ضربان: قريبة، وبعيدة.

  القريبة: ما ينتقل منها إلى المطلوب بها، لا بواسطة.

  وهي إما واضحة كقولهم كناية عن طويل القامة: «طويل نجاده، وطويل النجاد» والفرق بينهما أن الأول كناية ساذجة، والثاني كناية مشتملة على تصريح ما؛ لتضمن الصفة فيه ضمير الموصوف، بخلاف الأول.

  ومنها قول الحماسي:

  أبت الرّوادف والثّديّ لقمصها ... مسّ البطون وأن تمسّ ظهورا⁣(⁣١)

  وإما خفيّة كقولهم كناية عن الأبله: «عريض القفا» فإن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرط - فيما يقال - دليل الغباوة، ألا ترى إلى قول طرفة بن العبد:

  أنا الرجل الضّرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحيّة المتوقّد⁣(⁣٢)

  والبعيدة: ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة كقولهم كناية عن الأبله: «عريض الوسادة» فإنه ينتقل من عرض الوسادة إلى عرض القفا، ومنه إلى المقصود.

  وقد جعله السكاكي من القريبة على أنه كناية عن عرض القفا، وفيه نظر.

  وكقولهم: «كثير الرماد» كناية عن المضياف، فإنه ينتقل من كثرة الرماد إلى كثرة إحراق الحطب تحت القدور، ومنها إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الأكلة، ومنها إلى كثرة الضيفان، ومنها إلى المقصود.

  وكقوله: [ابن هرمة]

  وما يك فيّ من عيب فإنّي ... جبان الكلب مهزول الفصيل⁣(⁣٣)

  فإنه ينتقل من جبن الكلب عن الهرير في وجه من يدنو من دار من هو بمرصد لأن يعسّ دونها، مع كون الهرير في وجه من لا يعرفه طبيعيا له، إلى استمرار تأديبه؛ لأن الأمور الطبيعية لا تتغير بموجب لا يقوى، ومن ذلك إلى استمرار موجب نباحه وهو


(١) البيت من الكامل، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص ٤٩٢، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٤٢٣، والطراز ١/ ٤٢٤، وديوان الحماسة لأبي تمام ص ٣٣٨.

(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان طرفة بن العبد ص ٣٧، والدرر ١/ ٢٨١، وسر صناعة الإعراب ١/ ٣٥٨، ولسان العرب (ضرب)، (جعد)، (خشش)، (أصل)، وبلا نسبة في همع الهوامع ١/ ٨٦.

(٣) البيت من الوافر، وهو لابن هرمة في حماسة البحتري، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٧، ومفتاح العلوم ص ١٩١، والإيضاح ص ٣١، والطراز ١/ ٤٢٢، وليس في ديوانه.