الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الكناية

صفحة 244 - الجزء 1

  اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه، ومن ذلك إلى كونه مقصد أدان وأقاص، ومن ذلك إلى أنه مشهور بحسن قرى الأضياف. وكذلك ينتقل من هزال الفصيل إلى فقد الأم، ومنه إلى قوة الداعي إلى نحرها، لكمال عناية العرب بالنوق لا سيما المتليات، ومنها إلى صرفها إلى الطبائخ، ومنها إلى أنه مضياف.

  ومن هذا النوع قول نصيب:

  لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم منن ظاهره⁣(⁣١)

  فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره

  وكلبك آنس بالزائرين ... من الأمّ بالابنة الزائره

  فإنه ينتقل من وصف كلبه بما ذكر إلى أن الزائرين معارف عنده، ومن ذلك إلى اتصال مشاهدته إياهم ليلا ونهارا، ومنه إلى لزوم سدّته، ومنه إلى تسنّي مباغيهم لديه من غير انقطاع، ومنه إلى وفور إحسانه إلى الخاصّ والعامّ، وهو المقصود.

  ونظيره مع زيادة لطف، قول الآخر: [ابن هرمة]

  يكاد إذا ما أبصر الضّيف مقبلا ... يكلّمه من حبّه وهو أعجم⁣(⁣٢)

  ومنه قوله: [ابن هرمة]

  لا أمتع العوذ بالفصال، ولا ... أبتاع إلا قريبة الأجل⁣(⁣٣)

  فإنه ينتقل من عدم إمتاعها إلى أنه لا يبقي لها فصالها، لتأنس بها ويحصل لها الفرج الطبيعي بالنظر إليها، ومن ذلك إلى نحرها، أو لا يبقي العوذ إبقاء على فصالها، وكذا قرب الأجل ينتقل منه إلى نحرها، ومن نحرها إلى أنه مضياف.

  ومن لطيف هذا القسم قوله تعالى: {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}⁣[الأعراف: الآية ١٤٩] أي: ولما اشتدّ ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل؛ لأن من شأن من اشتدّ ندمه وحسرته أن يعضّ يده غمّا؛ فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها.

  وكذا قول أبي الطيب كناية عن الكذب:

  تشتكي ما اشتكيت من ألم الشّؤ ... ق إليها، والشّوق حيث النّحول⁣(⁣٤)


(١) الأبيات من المتقارب، وهي في دلائل الإعجاز ص ٢٣٨، ومفتاح العلوم ص ١٩١.

(٢) البيت من الطويل، وهو لابن هرمة في ديوانه ص ١٩٨، والبيان والتبيين ٣/ ٢٠٥، ودلائل الإعجاز ص ٢٣٩، والطراز ١/ ٤٢٣، وبلا نسبة في الحيوان ١/ ٣٧٧، وديوان الحماسة ١/ ٢٦٠.

(٣) البيت من المنسرح، وهو لابن هرمة في ديوانه ص ١٨٥.

(٤) البيت من الخفيف، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ١٨٨.