الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

القول في الكناية

صفحة 248 - الجزء 1

  وقد ظهر بهذا أن طرف النسبة المثبتة بطريق الكناية يجوز أن يكون مكنيّا عنه أيضا كما في هذا المثال، ونحوه بيت الشنفرى المتقدم؛ فإن حلول البيت بمنجاة من اللوم كناية عن نسبة العفّة إلى صاحبه؛ والمنجاة من اللوم كناية عن العفة.

  واعلم أن الموصوف في القسم الثاني والثالث قد يكون مذكورا كما مر، وقد يكون غير مذكور، كما تقول في عرض من يؤذي المسلمين: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»⁣(⁣١) أي: ليس المؤذي مسلما.

  وعليه قوله تعالى في عرض المنافقين: {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ}⁣[البقرة: الآية ٢] {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}⁣[البقرة: الآية ٣] إذا فسّر الغيب بالغيبة، أي: يؤمنون مع الغيبة عن حضرة النبي ÷ أو أصحابه ¤، أي هدى للمؤمنين عن إخلاص لا للمؤمنين عن نفاق.

  وقال السكاكي: الكناية تتفاوت إلى تعريض، وتلويح، ورمز، وإيماء، وإشارة.

  فإن كانت عرضية فالمناسب أن تسمّى تعريضا.

  وإلّا؛ فإن كان بينهما وبين المكني عنه مسافة متباعدة لكثرة الوسائط - كما في كثير الرماد وأشباهه - فالمناسب أن تسمّى تلويحا؛ لأن التلويح هو أن تشير إلى غيرك عن بعد.

  وإلّا؛ فإن كان فيها نوع خفاء؛ فالمناسب أن تسمى رمزا، لأن الرمز هو أن تشير إلى قريب منك على سبيل الخفية، قال:

  رمزت إليّ مخافة من بعلها ... من غير أن تبدي هناك كلامها⁣(⁣٢)

  وإلا؛ فالمناسب أن تسمّى إيماء وإشارة، كقول أبي تمام يصف إبلا:

  أبين، فما يزرن سوى كريم ... وحسبك أن يزرن أبا سعيد⁣(⁣٣)

  فإنه في إفادة أن أبا سعيد كريم غير خاف، وكقول البحتري:


(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٥، والرقاق باب ٢٦، ومسلم في الإيمان حديث ٦٤، ٦٥، وأبو داود في الجهاد باب ٢، والترمذي في القيامة باب ٥٢، والإيمان باب ١٢، والنسائي في الإيمان باب ٨، ٩، ١١، والدارمي في الرقاق باب ٤، ٨، وأحمد في المسند ٢/ ١٦٠، ١٦٣، ١٨٧، ١٩١، ١٩٢، ١٩٥، ٢٠٥، ٢٠٦، ٢٠٩، ٢١٢، ٢١٥، ٢٢٤، ٣٧٩.

(٢) البيت من الكامل، وهو في مفتاح العلوم ص ١٧٤.

(٣) البيت من الوافر، وهو في ديوان أبي تمام ص ٨٢، ودلائل الإعجاز ص ٢٤١، والطراز ٢/ ٤٢٤.