تقسيم السكاكي للبلاغة
  والطباق قد يكون ظاهرا كما ذكرنا، وقد يكون خفيّا نوع خفاء كقوله تعالى: {مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً}[نوح: الآية ٢٥] طابق بين {أُغْرِقُوا} و {فَأُدْخِلُوا ناراً} وقول أبي تمّام:
  مها الوحش إلّا أن هاتا أو انس ... قنا الخطّ، إلا أن تلك ذوابل(١)
  طابق بين «هاتين» و «تلك». والطباق ينقسم إلى طباق الإيجاب، كما تقدم.
  وإلى طباق السّلب، وهو: الجمع بين فعلي مصدر واحد مثبت ومنفيّ، أو أمر ونهي، كقوله تعالى: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ٦ يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا}[الرّوم: الآيتان ٦، ٧]، وقوله: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}[المائدة: الآية ٤٤]، وقول الشاعر:
  وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول(٢)
  وقول البحتري:
  يقيّض لي من حيث لا أعلم النّوى ... ويسري إليّ الشّوق من حيث أعلم(٣)
  وقول أبي الطيّب:
  ولقد عرفت، وما عرفت حقيقة ... ولقد جهلت، وما جهلت خمولا(٤)
  وقول الآخر:
  خلقوا وما خلقوا لمكرمة ... فكأنهم حلقوا، وما خلقوا(٥)
  رزقوا وما رزقوا سماح يد ... فكأنهم رزقوا، وما رزقوا
  قيل: ومنه قوله تعالى: {لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}[التّحريم: الآية ٦] أي: لا يعصون الله في الحال ويفعلون ما يؤمرون في المستقبل. وفيه نظر؛ لأن العصيان يضادّ فعل المأمور به، فكيف يكون الجمع بين نفيه وفعل المأمور به تضادّا. ومن الطّباق قول أبي تمّام:
(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان أبي تمام ٣/ ١١٦، والتبيان ص ١٧١.
(٢) البيت من الطويل، وهو للسموأل بن عادياء في ديوانه ص ٩١.
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان البحتري ١/ ١١١، والوساطة ص ٤٦.
(٤) البيت من الكامل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ١٩٣.
(٥) البيتان لم أجدهما في المصادر والمراجع التي بين يدي.