تقسيم السكاكي للبلاغة
  أو حرفين، كقوله تعالى: {لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: الآية ٢٨٦]، وقول الشاعر: [قيس بن الملوّح]
  على أنني راض بأن أحمل الهوى ... وأخلص منه، لا عليّ، ولا ليا(١)
  وإما بلفظين من نوعين كقوله تعالى: {أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ}[الأنعام: الآية ١٢٢] أي: ضالّا فهديناه، وقول طفيل: [بن عوف الغنوي]
  بساهم الوجه، لم تقطع أباجله ... يصان، وهو ليوم الرّوع مبذول(٢)
  ومن لطيف الطّباق قول ابن رشيق:
  وقد أطفؤوا شمس النهار، وأوقدوا ... نجوم العوالي في سماء عجاج(٣)
  وكذا قول القاضي الأرجاني:
  ولقد نزلت من الملوك بماجد ... فقر الرجال إليه مفتاح الغنى(٤)
  وكذا قول الفرزدق:
  لعن الإله بني كليب، إنهم ... لا يغدرون، ولا يفون لجار(٥)
  يستيقظون إلى نهيق حمارهم ... وتنام أعينهم عن الأوتار(٦)
  وفي البيت الأول تكميل حسن، إذ لو اقتصر على قوله: «لا يغدرون» لاحتمل الكلام ضربا من المدح؛ إذ تجنّب الغدر قد يكون عن عفّة، فقال: «ولا يفون» ليفيد أنه للعجز، كما أن ترك الوفاء للّؤم.
  وحصل مع ذلك إيغال حسن؛ لأنه لو اقتصر على قوله: «لا يغدرون ولا يفون» تمّ المعنى الذي قصده، ولكنه لما احتاج إلى القافية أفاد بها معنى زائدا؛ حيث قال: «لجار» لأن ترك الوفاء للجار أشدّ قبحا من ترك الوفاء لغيره.
(١) روي البيت بلفظ:
فليتكم لم تعرفوني وليتكم ... تخليت عنكم لا عليّ ولا ليا
والبيت من الطويل، وهو بهذا اللفظ للمجنون في ديوانه ص ٢٩٧.
(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان طفيل الغنوي ص ٥٤.
(٣) البيت من الطويل، وهو لابن رشيق القيرواني في تحرير التحبير ص ١١٢، ونهاية الأرب ٧/ ١٠٠، والطراز ٢/ ٣٧٢.
(٤) البيت من الكامل، ولم أجده.
(٥) البيتان من الكامل، وهما في ديوان الفرزدق ١/ ٣٦٠، وكتاب الصناعتين ص ٣١٣.
(٦) الأوتار: مفردها: وتر، وهو الثأر.