الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

تقسيم السكاكي للبلاغة

صفحة 260 - الجزء 1

  وقول أبي الطيّب:

  فلا الجود يفني المال والجدّ مقبل ... ولا البخل يبقي المال والجدّ مدبر⁣(⁣١)

  ومثال مقابلة أربعة بأربعة قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ٧ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى ٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى ٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ١٠}⁣[الليل: الآيات ٥ - ١٠]. فإن المراد بـ «استغنى» أنه زهد فيما عند الله، كأنه مستغن عنه؛ فلم يتّق، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة؛ فلم يتّق.

  قيل: وفي قول أبي الطيّب:

  أزورهم وسواد الليل يشفع لي ... وأنثني وبياض الصبح يغري بي⁣(⁣٢)

  مقابلة خمسة بخمسة، على أن المقابلة الخامسة بين «لي» و «بي».

  وفيه نظر؛ لأن اللام والباء فيهما صلتا الفعلين؛ فهما من تمامهما.

  وقد رجّح بيت أبي الطيّب على بيت أبي دلامة بكثرة المقابلة، مع سهولة النظم، وبأن قافية هذا ممكنة وقافية ذاك مستدعاة، فإن ما ذكره غير مختص بالرجال.

  وبيت أبي دلامة على بيت أبي الطيب بجودة المقابلة، فإن ضدّ الليل المحض هو النهار لا الصبح.

  ومن لطيف المقابلة ما حكي عن محمد بن عمران التيمي إذ قال له المنصور: «بلغني أنك بخيل» فقال: «يا أمير المؤمنين ما أجمد في حقّ ولا أذوب في باطل».

  وقال السكاكي: المقابلة: أن تجمع بين شيئين متوافقين أو أكثر وضدّيهما، ثم إذا شرطت هنا شرطا هناك ضدّه، كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى}⁣[الليل: الآية ٥] الآيتين، لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والاتقاء والتصديق، جعل ضده وهو التعشير مشتركا بين أضداد تلك، وهي المنع والاستغناء والتكذيب.

  ومنه مراعاة النظير وتسمّى التناسب والائتلاف والتوفيق أيضا، وهي أن يجمع في الكلام بين أمر وما يناسبه لا بالتضاد، وكقوله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ ٥}⁣[الرّحمن: الآية ٥] وقول بعضهم للمهلّبي⁣(⁣٣) الوزير: «أنت أيها الوزير إسماعيليّ الوعد،


(١) البيت من الطويل، وهو ليس في ديوان المتنبي، وهو لعبد الله بن طاهر في الأغاني ٦/ ٤٣.

(٢) البيت من البسيط، وهو في ديوان المتنبي ٢/ ٢١٠.

(٣) الوزير المهلبي: هو الحسن بن محمد بن هارون بن إبراهيم بن عبد الله المهلبي، أبو محمد الوزير لمعز الدولة بن بويه الديلمي، ولد بالبصرة سنة ٢٩١ هـ، وتوفي في طريق واسط، وحمل ودفن ببغداد سنة ٣٥٢ هـ، صنف: ديوان الرسائل، ديوان شعره، كتاب في أصول النحو، كتاب اللغة في مخارج الحروف. (كشف الظنون ٥/ ٢٧٠).