القول في أحوال الإسناد الخبري
  بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ، ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما، ويكتبان عنه متواضعين له، حتى يأتي وقت الزوال، ثم ينصرفان، فأتياه يوما فقالا: ما هذه القصيدة التي أحدثتها في ابن قتيبة(١)؟ قال: هي التي بلغتكما. قالا: بلغنا أنك أكثرت فيها من الغريب، قال: نعم، إن ابن قتيبة يتباصر بالغريب، فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرف، قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ، فأنشدهما:
  بكّرا صاحبيّ قبل الهجير ... إنّ ذاك النجاح في التبكير(٢)
  حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان إن ذاك النجاح: بكّرا فالنجاح؛ كان أحسن، فقال بشار: إنما بنيتها أعرابيّة وحشية، فقلت: إن ذاك النجاح، كما يقول الأعراب البدويون، ولو قلت: بكرا فالنجاح؛ كان هذا كلام المولّدين، ولا يشبه ذلك الكلام، ولا يدخل في معنى القصيدة، قال: فقام خلف، فقبل بين عينيه؛ فهل كان ما جرى بين خلف وبشار بمحضر من أبي عمرو بن العلاء - وهم من فحولة هذا الفن - إلا للطف المعنى في ذلك وخفائه؟
= محيصن، وغيرهم. وروى عنه كثير منهم عبد الله بن المبارك، ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهما، ولد بمكة سنة ٦٨ هـ، وتوفي سنة ١٥٤ هـ. (شذرات الذهب ١/ ٢٣٧، غاية النهاية ١/ ٢٨٨).
خلف: هو خلف بن حيان، أبو محرز البصري المعروف بخلف الأحمر، توفي سنة ١٨٠ هـ، صنف كتاب خيال العرب وما قيل فيه من الشعر. (كشف الظنون ٥/ ٣٤٨، وانظر ترجمته في:
مراتب النحويين ٤٦، طبقات النحويين ١٦١، نزهة الألباء ٣٧، إنباه الرواة ١/ ٣٤٨، بغية الوعاة ٢٤٢).
هو أبو معاذ، بشار بن برد، شاعر، راجز، شجاع، خطيب، صاحب منثور ومزدوج، له رسائل معروفة، هكذا وصفه الجاحظ، أصله من طخارستان من سبي المهلب بن أبي صفرة، يلقب بالمرعّث، لقب بذلك لأنه كانت في أذنه حلقة في صغره (والمرعّث: الذي في أذنه رعاث، وهو جمع رعثة وهي القرط)، رمي بشار بن برد بالزندقة، ويروى أنه كان يفضّل النار على الأرض، ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم، ونسب إليه القول:
الأرض مظلمة والنار مشرقة ... والنار معبود مذ كانت النار
فأمر المهدي العباسي بضربه، فضرب سبعين سوطا، فمات من ذلك سنة ١٦٨ هـ، وقيل سنة ١٦٧ هـ، وكان قد هجا المهدي (معجم الشعراء المخضرمين والأمويين ص ٦٠ - ٦١).
(١) ابن قتيبة: ليس هو ابن قتيبة الدينوري، لأنه لم يعاصر الأعلام السابق ذكرهم، فقد توفي ابن قتيبة الدينوري سنة ٢٧٦ هـ، والفارق بينهم مائة سنة على الأقل. وهو سلم بن قتيبة والي أبي جعفر المنصور على البصرة.
(٢) البيت من الخفيف، وهو في ديوان بشار ص ١٢١، (طبعة دار الثقافة)، ودلائل الإعجاز ص ٢٧٢، ٣١٦، ٣٢٣، والإشارات والتنبيهات للجرجاني ص ٣١، والأغاني ٣/ ١٨٥.