تقسيم السكاكي للبلاغة
  ومنه التشريع، وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى على الوقوف على كل واحدة منهما، كقول الحريري:
  يا خاطب الدنيا الدّنيّة، إنها ... شرك الرّدى، وقرارة الأكدار(١)
  الأبيات ...
  ومنه لزوم ما لا يلزم، وهو أن يجيء قبل حرف الرّويّ وما في معناه من الفاصلة ما ليس بلازم في مذهب السجع، كقوله تعالى: {فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ ٢٠١ وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ ٢٠٢}[الأعراف: الآيتان ٢٠١، ٢٠٢]، وقوله [تعالى]: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ٩ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ١٠}[الضّحى: الآيتان ٩ - ١٠].
  وقول الشاعر:
  سأشكر عمرا إن تراخت منيّتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلّت(٢)
  فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النّعل زلّت
  رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتّى تجلّت
  وقول الآخر: [أبو العلاء المعري]
  يقولون: في البستان للعين لذّة ... وفي الخمر والماء الذي غير آسن(٣)
  إذا شئت أن تلقى المحاسن كلّها ... ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
  وقد يكون ذلك في غير الفاصلتين أيضا، كقول الحريري:
  «وما اشتار العسل، من اختار الكسل».
  وأصل الحسن في جميع ذلك - أعني القسم اللفظي - كما قال الشيخ عبد القاهر؛ هو أن تكون الألفاظ تابعة للمعاني؛ فإن المعاني إذا أرسلت على سجيّتها، وتركت وما
(١) البيت من الكامل، وهو في مقامات الحريري ص ١٩٢، والمصباح ص ١٧٦.
(٢) الأبيات من الطويل، والبيت الأول لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ص ١٤٢، وخزانة الأدب ٢/ ٢٦٥، ولأبي الأسود الدؤلي أو لمحمد بن سعيد أو لعبد الله بن الزبير في سمط اللآلي ص ١٦٦، وبلا نسبة في تذكرة النحاة ص ٤٧٤.
(٣) البيتان من الطويل، وهما بلا نسبة في نهاية الأرب ٧/ ١١٣.