تقسيم السكاكي للبلاغة
  وهو مما استحسن، حتى إن أكثر الشعر صرّع البيت الأول منه ولذلك متى خالفت العروض الضرب في الوزن جاز أن تجعل موازنة له إذا كان البيت مصرّعا، كقول امرئ القيس:
  ألا عم صباحا أيّها الطّلل البالي ... وهل ينعمن من كان في العصر الخالي(١)؟
  أتى بعروض الطويل: «مفاعيلن» وذلك لا يصح إذا لم يكن البيت مصرّعا، ولهذا خطّئ أبو الطيب في قوله:
  تفكّره علم ومنطقه حكم ... وباطنه دين، وظاهره ظرف(٢)
  ومنه الموازنة، وهي: أن تكون الفاصلتان متساويتين في الوزن دون التقفية، كقوله تعالى: {وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ ١٥ وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ ١٦}[الغاشية: الآيتان ١٥ - ١٦].
  فإن كان ما في إحدى القرينتين من الألفاظ أو أكثر ما فيها مثل ما يقابله من الأخرى في الوزن خصّ باسم المماثلة، كقوله تعالى: {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ١١٨}[الصّافات: الآية ١١٨]، وقول أبي تمام:
  مها الوحش، إلّا أنّ هاتا أوانس ... قنا الخطّ، إلّا أن تلك ذوابل(٣)
  وقول البحتري:
  فأحجم لمّا لم يجد فيك مطعما ... وأقدم لمّا لم يجد عنك مهربا(٤)
  ومنه القلب، كقولك: أرض خضراء، وقول عماد الدين الكاتب للقاضي الفاضل: «سر فلا كبا بك الفرس» وجواب القاضي: «دام علا العماد»، وقول القاضي الأرجاني:
  مودّته تدوم لكل هول ... وهل كلّ مودته تدوم؟(٥)
  وفي التنزيل: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ}[الأنبياء: الآية ٣٣]، وفيه: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ٣}[المدثّر: الآية ٣].
(١) البيت من الطويل، وهو في ديوان امرئ القيس ص ٢٧، وجمهرة اللغة ص ١٣١٩، وخزانة الأدب ١/ ٦٠، وشرح شواهد المغني ١/ ٣٤٠، والكتاب ٤/ ٣٩.
(٢) البيت من الطويل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ١٥١.
(٣) البيت من الطويل، وهو في ديوان أبي تمام ٣/ ١١٦.
(٤) البيت من الطويل، وهو في ديوان البحتري ١/ ٢٠٠.
(٥) البيت من الوافر، وهو بلا نسبة في الأطول شرح تلخيص مفتاح العلوم ١/ ١١٩.