الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الفصل الأول القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها

صفحة 302 - الجزء 1

  متقررة في النفوس، متصورة للعقول، يشترك فيها الفصيح والأعجم، والشاعر والمفحم.

  وإن كان في وجه الدلالة على الغرض - وينقسم إلى أقسام كثيرة منها: التشبيه بما توجد الصفة فيه على الوجه البليغ كما سبق، ومنها ذكر هيئات تدل على الصفة؛ لاختصاصها بمن له الصفة، كوصف الرجل حال الحرب بالابتسام، وسكون الجوارح، وقلّة الفكر، كقوله: [محرز بن المكعبر الضبي]

  كأنّ دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شفّ الوجوه لقاء⁣(⁣١)

  وكذا وصف الجواد بالتهلّل عند ورود العفاة، والارتياح لرؤيتهم، ووصف البخيل بالعبوس، وقلّة البشر، مع سعة ذات اليد، ومساعدة الدهر.

  فإن كان مما يشترك الناس في معرفته لاستقراره في العقول والعادات، كتشبيه الفتاة الحسنة بالشمس والبدر، والجواد بالغيث والبحر، والبليد البطيء بالحجر والحمار، والشجاع الماضي بالسيف والنار؛ فالاتفاق فيه كالاتفاق في عموم الغرض.

  وإن كان مما لا ينال إلا بفكر، ولا يصل إليه كلّ أحد، فهذا الذي يجوز أن يدّعى فيه الاختصاص والسبق، وأن يقضى بين القائلين فيه بالتفاصيل وأنّ أحدهما فيه أفضل من الآخر، وأن الثاني زاد على الأول أو نقص عنه.

  وهو ضربان:

  أحدهما: ما كان في أصله خاصّيّا غريبا.

  والثاني: ما كان في أصله عاميّا مبتذلا، لكن تصرّف فيه بما أخرجه من كونه ظاهرا ساذجا إلى خلاف ذلك؛ وقد سبق ذكر أمثلتهما في التشبيه والاستعارة.

  إذا عرفت هذا فنقول:

  الأخذ والسرقة نوعان: ظاهر، وغير ظاهر.

  أما الظاهر فهو أن يؤخذ المعنى كله إما مع اللفظ كله أو بعضه، وإما وحده.

  فإن كان المأخوذ كله من غير تغيير لنظمه فهو مذموم مردود؛ لأنه سرقة محضة، ويسمى نسخا وانتحالا، كما حكي أن عبد الله بن الزبير دخل على معاوية فأنشده:


(١) البيت من الطويل، وهو لمحرز بن مكعبر الضبي في لسان العرب (قسم)، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص ١٤٥٧، وشرح ديوان الحماسة للتبريزي ٤/ ١٦، والكامل ١/ ١٠٨، ١١٠، وتاج العروس (قسم)، وبلا نسبة في مقاييس اللغة ٥/ ٨٦، وكتاب العين ٥/ ٨٧، وجمهرة اللغة ص ٨٥٢، وديوان الأدب ١/ ٢٥٢، وتهذيب اللغة ٨/ ٤٢٢، وأساس البلاغة (دنر)، (قسم)، والاشتقاق ١/ ٦٢، ٣٩٠.