الإيضاح في علوم البلاغة،

الخطيب القزويني (المتوفى: 739 هـ)

الفصل الأول القول في السرقات الشعرية وما يتصل بها

صفحة 305 - الجزء 1

  من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطيّبات الفاتك اللهج⁣(⁣١)

  وقول سلم الخاسر:

  من راقب الناس مات غمّا ... وفاز باللذّة الجسور⁣(⁣٢)

  فبيت سلم أجود سبكا، وأخصر. وكقول الآخر:

  خلقنا لهم في كل عين وحاجب ... بسمر القنا والبيض عينا وحاجبا⁣(⁣٣)

  وقول ابن نباتة بعده:

  خلقنا بأطراف القنا في ظهورهم ... عيونا لها وقع السيوف حواجب⁣(⁣٤)

  فبيت ابن نباتة أبلغ؛ لاختصاصه بزيادة معنى، وهو الإشارة إلى انهزامهم، ومن الناس من جعلهما متساويين.

  وإن كان الثاني دون الأول في البلاغة فهو مذموم مردود، كقول أبي تمام:

  هيهات؛ لا يأتي الزمان بمثله ... إن الزمان بمثله لبخيل⁣(⁣٥)

  وقول أبي الطيب:

  أعدى الزّمان سخاؤه، فسخا به ... ولقد يكون به الزمان بخيلا⁣(⁣٦)

  فإن مصراع أبي تمام أحسن سبكا من مصراع أبي الطيب، أراد أن يقول: «ولقد كان الزمان به بخيلا» فعدل عن الماضي إلى المضارع؛ للوزن.

  فإن قلت: المعنى «إن الزمان لا يسمح بهلاكه».

  قلت: السخاء بالشيء هو بذله للغير، فإذا كان الزمان قد سخا به، فقد بذله، فلم يبق في تصريفه حتى يسمح بهلاكه أو يبخل به.

  وإن كان مثله فالخطب فيه أهون، وصاحب الثاني أبعد من المذمة، والفضل لصاحب الأول، كقول بشار:


(١) البيت من البسيط، وهو في ديوان بشار بن برد ص ٦٠.

(٢) البيت من مخلع البسيط، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٨١.

(٣) البيت من الطويل، وهو لأبي إسحاق إبراهيم الغزي في ريحانة الألبا ص ١٣٣.

(٤) البيت من الطويل، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٨١.

(٥) البيت من الكامل، وهو في ديوان أبي تمام ٣/ ٢٤٦.

(٦) البيت من الكامل، وهو في ديوان المتنبي ١/ ١٩٠.