القول في أحوال متعلقات الفعل
  وفي قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[البقرة: الآية ١٧٢] معناه: إن كنتم تخصونه بالعبادة.
  وفي قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}[البقرة: الآية ١٤٣] أخّرت صلة الشهادة في الأول، وقدّمت في الثاني؛ لأن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الثاني اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم.
  وفي قوله تعالى: {لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ}[آل عمران: الآية ١٥٨] معناه: إليه لا إلى غيره.
  وفي قوله تعالى: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً}[النّساء: الآية ٧٩] معناه: لجميع الناس من العرب والعجم - على أن التعريف للاستغراق - لا لبعضهم المعيّن - على أنه للعهد - أي للعرب، ولا لمسمّى الناس - على أنه للجنس - لئلا يلزم من الأول اختصاصه بالعرب دون العجم، لانحصار الناس في الصّنفين، ومن الثاني اختصاصه بالإنس دون الجنّ؛ لانحصار من يتصوّر الإرسال إليهم من أهل الأرض فيهما وعلى تقدير الاستغراق لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن التقديم لما كان مفيدا لثبوت الحكم للمقدّم، ونفيه عما يقابله؛ كان تقديم «للناس» على «رسولا» مفيدا لنفي كونه رسولا لبعضهم خاصة؛ لأنه هو المقابل لجميع الناس، لا لبعضهم مطلقا، ولا غير جنس الناس.
  وكذلك يذهب في معنى قوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة: الآية ٤] إلى أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب - فيما يقولون: إنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وإنه لا تمسّهم النار فيها إلا أياما معدودات، وإن أهل الجنة فيها لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ - ليست بالآخرة، وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء، أي: بالآخرة يوقنون، لا بغيرها كأهل الكتاب.
  ويفيد التقديم في جميع ذلك وراء التخصيص اهتماما بشأن المقدّم، ولهذا قدّر المحذوف في قوله: {بِسْمِ اللهِ} مؤخّرا وأورد قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}[العلق: الآية ١] فإن الفعل فيه مقدم، وأجيب بأن تقديم الفعل هناك أهمّ؛ لأنها أول سورة نزلت، وأجاب السكاكي بأن {بِاسْمِ رَبِّكَ}[الواقعة: الآية ٧٤] متعلق بـ «اقرأ» الثاني، ومعنى الأول: افعل القراءة وأوجدها، على نحو ما تقدم في قولهم «فلان يعطي ويمنع» يعني إذا لم يحمل على العموم، وهو بعيد.
  وأما تقديم بعض معمولاته على بعض، فهو إما لأن أصله التقديم ولا مقتضي للعدول عنه، كتقديم الفاعل على المفعول، نحو: «ضرب زيد عمروا» وتقديم المفعول